مواطن عادي ، لابس جلابية وطاقية وماشي بي كرعيه دخل إلي حوش المحكمة ، ثم جلس جنب أحد المحامين وطلب كبايتين شاي له وللمحامي من ست الشاي القاعدة تحت شجرة في المحكمة . سأله المحامي ما إذا كان قريب أحد المتهمين ببلاغات الشغب – إسم الدلع للتظاهر – فنفي . سأله ما إذا كان متهماً في البلاغات المدورة هذه الأيام في كل ناحية فنفي . سكت المحامي عن الكلام المباح ، وعندها قال المواطن العادي ( سمعت إنو في بت قبضوها في المظاهرات وجيت عشان لو في قروش ضمانة أدفعها ، ولّا أي مساعدة أقدمها ) . إنتهت الجلسة ، وخرج المتهمون والمحامي فأصر المواطن العادي علي دفع ( حق الأمجاد ) ومضي في طريقه دون أن يذكر حتي اسمه . وشاكي في بلاغ آخر يقول للقاضي أنا ما شفت ديل في المظاهرات ، لكن داك قال لي يا بوليس ماهيتك كم ؟ وأنا ما رديت عليه ، وتسقط التهم عن متهمين ومتهمات . ونساء حي في بحري دخلن في جدال حامي وربما ( شكلة ) مع ناس حاولوا أن ( يرفعوا ) شباب في بكاسي ، فخجل هؤلاء وتواروا عن الأنظار وسط زغاريد النسوة والبنات . وواحد متهم حكمت عليه المحكمة بالغرامة 250 جنيه ، وهو لا يجد قوت يومه ، فدفعها المحامون ومواطنون عاديون إنابة عنه ، فترقرقت عيناه بالدموع – يا لنبل السودانيين . وفي سنوات خلت ، كنت عند الساعة ( اطناشر ) بالليل أمام مدرسة المؤتمر الثانوية بامدرمان ، محتاراً والعربية المتهالكة قطعت بنزين ، والحركة قليلة ولا توجد طلمبة بنزين في تلك الأنحاء فتوقف أمامي بعد برهة شاب راكب موتر وسألني إن شا لله مافي عوجة فحكيت له الحاصل فرد ( خير ) ، واختفي في الظلام ليعود لي بعد نص ساعة بجالون بنزين ويعتذر عن التأخير بسبب أن معظم ( الطرمبات ) قفلت ، وبمثل ما أتي غادر ولم يذكر حتي اسمه ، ولا انتظر الجالون الفاضي أو ثمنه . وناس في الجزيرة أهلكت الإنقاذ حرثهم ونسلهم ، لكنهم يقطعون شارع الزلط في رمضان عند المغرب كيما ينزل المسافرون لتناول فطور رمضان ، ثم يحلفون علي الشاي والقهوة ، ولا يتركونهم إلا والليل قد أرخي سدوله ، وهم رغم فقرهم سعداء بإكرام ضيوفهم . وبعض الناس ، عند مواسم الأعياد وغيرها يأتون ليلاً – أمام جامع بحري – حاملين الطعام والملابس للمتسولين والشماشة الذين يملأون جنبات الجامع ، ثم يغادرون لا جزاء ولا شكورا . وفي أقاصي الغرب ، حيث التهديد والجنجويد ، تتعطل عربة ، فيحلف علي من بداخلها صاحب المنزل الذي تعطلت العربة أمامه أن ينزلوا ، و ( يضبح ) خروفه الوحيد ، ويحلف علي أن يبيتوا معه حتي إصلاح العربة غداً وقد كان . وسائق تاكسي اتهم ظلماً في بلاغ حادث حركة وقع أمامه ومات فيه ناس ، ونصحه محامي بتوفير مبلغ دية أحد القتلي ولم يكن معه ، وقبل جلسة القرار بيوم واحد أتاه ( واحد ) كان رب عمله في سنوات سابقة ، عندما كان التكّاسي يعمل في كشك عصير ، ومنحه 30 ألف جنيه جديد لدفع الدية ، ولما برأته المحكمة في اليوم الثاني رفض ( ذلك الواحد ) أن ترد له نقوده وقال للسواق أمشي اشتري بيها تاكسي ( حقك ) عشان ما تكون تحت رحمة زول – وقد كان . ديل وغيرهم أهلنا ، وهو معدن شعبنا الذي لن يدركه السدنة والتنابلة ، والسايقة واصلة الميدان