قبل يومين من إعلان النتائج النهائية على استفتاء انفصال جنوب السودان، زف الرئيس السودانى عمر البشير، للناس أنه آن الآوان لتطبيق الشريعة الإسلامية فى السودان، ما جعل السودانيين غارقين فى الدهشة، من الرجل الذى يحكم منذ 23 عاما باسم الشريعة الإسلامية فعل فيها كل ما يمكن فعله من ممارسات مغلفة بالصبغة الإسلامية، ثم يأتى بعد ربع قرن تقريبا ليقول إنه «آن الآوان» وكأن ال23 عاما مضت كانت مجرد «بث تجريبى» حسب تندر السودانيين. الحقيقة أننى كنت أتفهم ذلك فى ظل «كارثة وطنية» انقسم فيها الوطن لقطعتين، وبدلا من أن يعترف النظام الحاكم بفشله فى أن يبقى البلاد موحدة كما تسلمها ومسئوليته عن ذلك مع أطراف أخرى، حاول أن يروج للبسطاء فى الشمال بخطاب عاطفى جديد، أن الانفصال فرصة لتطبيق الشريعة فى الشمال بعد التخلص من الجنوب الصليبى والوثتى، حتى أن إعلاما مقربا من البشير يقوم عليه «خاله»، اعتبر أن انفصال الجنوب هو يوم الاستقلال الحقيقى للسودان، لأن إلحاق هذا الجزء «الكافر» بالشمال «المؤمن» من البداية كان جزء من مؤامرة صليبية على الإسلام فى السودان. كانت تلك حيلة دفاعية تعبر عن أن النظام فى مأزق، وبالأمس قال البشير أيضا إنه سيشكل لجنة لإعداد «دستور إسلامى» يكون نموذجا لدول الجوار، وهى دلالة أيضا على وجوده فى مأزق وبحثه عن حيلة دفاعية جديدة ضد الانتفاضة التى تطالب بإسقاطه فى شوارع السودان الآن، لكنه فى هذه المرة يغازل دول الجوار بأن دستوره الإسلامى الذى سيضعه بعد ممارسة الحكم 23 عاما باسم الإسلام سيكون نموذجا. وسط كل ذلك لست متعجبا إطلاقا من إصرار أجهزة أمنه على مواصلة اعتقال الزميلة شيماء عادل الصحفية المصرية الشابة والنابهة، التى حركتها مهنيتها وإقدامها وشجاعتها لتغطية أحداث الانتفاضة من داخل شوارع السودان، فسجل البشير فى الجور على حرية الصحافة واسع ولا مثيل له، وفى العام الأخير فقط أغلق 12 صحيفة وحجب عشرات المواقع، وطارد أصحاب الأقلام وتعامل مع كل مخالف ومعارض له باعتباره شاذا أو عميلا أو صهيونيا أو كافرا. يكفى أن تعرف أن شيماء عادل قبل أشهر كانت فى قلب المعارك فى ليبيا، تنقل ما يجرى على الأرض فى إطار حرب ضروس انتهت بخلع وقتل الديكتاتور معمر القذافى، وعادت من هناك دون أن يمسسها سوء من نظام مجرم، لكنه وقعت بين يدى سجان «إسلامى» يبشر الأمة ب«الدستور الإسلامى»، دون أن يخبرنا وفق أى مادة فى الدستور الإسلامى يعتقل شيماء عادل، ووفق أى معيار شرعى يغدر بالرسل، الذين دخلوا دياره بعهد أمان، وكان معروفا لجلاديه عند لحظة وصولها إلى مطار الخرطوم إنها صحفية وفى مهمة عمل مهنية. يعتقد البشير أن بإمكانه حجب الحقيقة باعتقال الصحفيين، وغلق الصحف وتعطيل الاتصالات، والتنكيل بالناس، يحاول أن يبدى من الشجاعة ما يجعله يقف مغترا وسط كتائب أمنه وكأنه فى برج مشيد.. والحقيقة أنه أضعف مما يعتقد، أضعف إلى درجة أنه يخشى من الصغيرة شيماء عادل، فإلى متى سيصمد أمام الأحرار فى السودان؟ الشروق