مازال مسلسل «الفاروق عمر» المقرر عرضه على قناة «mbc» في رمضان المقبل يثير الجدل في الأوساط الدينية، بين مؤيد لإظهار الدور الكبير الذي ساهم به الصحابي الجليل عمر بن الخطاب في بدايات الإسلام، وبين رافض لفكرة تجسيد الصحابة في الأعمال الدرامية. وتحاول مجموعة mbc من خلال المشروع توثيق الدور الاستثنائي الذي لعبه الفاروق عمر بن الخطاب في تاريخ الدعوة وتأسيس دولة الإسلام، فضلا عن مزايا تلك الشخصية وفضائلها الخاصة التي جعلت منها مرجعا وأنموذجا هاديا للمسلمين حتى وقتنا الحاضر. وأكد د. محمد رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر عضو مجمع البحوث الإسلامية، ل «العربية نت» أن «المسلسل لم يعرض على المجمع لكي نقول فيه الرأي، ولكن نحن مازلنا متمسكين بقرارات سابقة للمجمع حول هذه القضية، وهي أنه لا يجوز تجسيد وتمثيل الأنبياء والعشرة المبشرين بالجنة وآل بيت النبوة، فإذا كان مسلسل «الفاروق عمر» به تجسيد واضح لأي شخصية من شخصيات العشرة المبشرين بالجنة فنحن نرفض ذلك». ومن جانبه قال المفكر الإسلامي عبدالفتاح عساكر إنه «لا يوجد نص قرآني يحرم تجسيد وتمثيل الصحابة». وقال الشيخ إبراهيم رضا، عضو لجنة الحوار بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: «أنا أرى أنه يجوز تجسيد بعض الصحابة كوسيلة من وسائل الإيضاح، لكن بضوابط شرعية». وأكد رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السابق في مكةالمكرمة الشيخ د. أحمد الغامدي أنه يؤيد فكرة إنتاج مسلسل عن الخليفة عمر بن الخطاب كي يتعرف الجيل الجديد إليه، مشددا على أنه مع مبدأ تجسيد الخلفاء في المسلسلات التاريخية لأنه لا يوجد نص شرعي يمنع ذلك. وقال الغامدي «مبدأ تمثيل الصحابة على رؤيتين: منهم من يرى عدم الجواز ومنهم من يرى الجواز، وهذا ما أرجحه لعدم وجود الدليل على التحريم». وتابع: «ليس هناك في القرآن أو السنة النبوية ما يشير إلى منع تمثيل الصحابة». وشدد الداعية المعروف على أنه من المهم أن يخرج العمل خاليا من الأخطاء التي قد تشوهه وتفسد فكرته. وأكد د. رأفت عثمان في شرحه لأسباب رفض الأزهر تجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الدرامية «أن الرسل والأنبياء فئة منتقاة من البشر وليسوا كسائر البشر، فالله تعالى قال: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين)، فإذا كان هؤلاء مصطفين من سائر البشر فهل يصح لنا أن نمثل شخصياتهم؟ فالمكانة العالية لهؤلاء توجب علينا أن نحتفظ بها في عقولنا وقلوبنا بصورة لا يشاركهم فيها أحد». ويرى د. محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، «أن العشرة المبشرين بالجنة، ومنهم الخلفاء الأربعة لا يجوز تجسيدهم في الأعمال الدرامية، لأن هؤلاء الصحابة الكرام لهم منزلة خاصة ومواقف إسلامية كبيرة، فهم حملة الرسالة في حياة النبي وبعده، وبالتالي فتجسيدهم دراميا عبر تشخيصهم من خلال ممثل مهما بلغ من درجة الإتقان فيه إخلال بواجب تكريم هؤلاء الصحابة الذين يحظون به في المنظور الإسلامي». وفي رأي مخالف للشحات، يقول المفكر الإسلامي عبدالفتاح عساكر «إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك التحليل ولا التحريم، فالرسول كان طوع أمر الله، والدليل قول الله تعالى: (إن أتبع إلا ما يوحى إلي)، والرسول خوطب في القرآن 15 مرة (ويسألونك) وكان ينتظر الوحي للإجابة، وطلبت منه الفتوى مرتين فقط (ويستفتونك)، فالرسول صلى الله عليه وسلم نفسه لا يملك التحليل ولا التحريم إلا بأمر الله، وهو نفسه الذي يقول: (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي)، ثم جاء على الحرام وفصله (فصل لكم ما حرم عليكم). وهنا يتساءل المفكر الإسلامي عبدالفتاح عساكر: «وهل في المفصل في القرآن ما يقول إن تمثيل سيدنا عمر أو أبي بكر أو علي بن طالب أو عثمان حرام». وأكد عبدالفتاح عساكر «أن العبرة في مثل هذه الأعمال الدرامية التي تجسد شخصيات الصحابة هي الغرض والهدف منها، فما من شك أن المؤلف والمخرج والممثل يريدون من مثل هذه الأعمال إظهار قيم ومبادئ الإسلام في ال 52 عاما الأولى من ظهور الإسلام». فيما يؤكد أستاذ الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية د. عقيل العقيل أن أي عمل ينشر الدين الإسلامي هو أمر مطلوب، ولكنه يتحفظ على مبدأ تمثيل الصحابة.. ويقول ل «العربية.نت»: «أي جهد يهدف منه نشر الدين الإسلامي هو جهد محمود ومطلوب، ولكن لي تحفظ على تجسيد شخصيات كبار الصحابة وخصوصا العشرة المبشرين بالجنة.. لأنه مهما فعلت ومهما اجتهدت فلن تستطيع أن تصل لتجسيد هذه الشخصية المهمة كما يجب». .. وفرمان أزهري سلفي إخواني بمنع العرض القاهرة وكالات: ولايزال الجدل قائما داخل المؤسسات الدينية، حيث عارض الأزهر فكرة مسلسل «الفاروق»، وحذر مفتي السعودية القنوات الفضائية من بثه على شاشتها، مستدلا على رفضه بأن عرض العمل سيؤدي إلى تقليل هيبة ومكانة الصحابة لدى المشاهدين. وحسب «اليوم السابع» ادلى كتاب السيناريو والدراما بدلوهم في هذا الشأن حيث انتقد الكاتب الكبير يسري الجندي ما أسماه ب «زيادة التعسف» ضد نوعية الأعمال الدينية، لافتا إلى أننا نواجه بحرب شرسة لمحاولة تشويه صورة الإسلام بشكل عام، وهناك تيارات متطرفة متشددة تساعد على ذلك. وأضاف الكاتب ان المصادرة والمنع الصريح أمر مرفوض نهائيا من حيث المبدأ، مطالبا جميع الجهات والمؤسسات الدينية والرقابية بمشاهدة تلك الأعمال قبل البت فيها والحكم عليها، موضحا أننا في حاجة لصناعة أعمال تظهر صورة الإسلام المستنير وحضارته العريقة. وأكد الكاتب الكبير بشير الديك رفضه القاطع لمنع عرض عمل يتناول سيرة الصحابة، معتبرا أنه تراث حضاري إسلامي لا بد من تناوله، ودلل الكاتب على كلامه بأن سيدنا عمر بن الخطاب ليس نبيا أو رسولا يحمل رسالة إلى قوم، لكنه رجل من رجال الإسلام الذين تحلوا بالعدل والحق والشجاعة، وأرسى تلك القيم داخل المجتمع، وإظهار عظائم هؤلاء الشخصيات شيء طيب. بينما يرى الكاتب الكبير وحيد حامد أن المشكلة الأساسية تكمن في مسألة «تجسيد» الأنبياء والصحابة، لكوننا لم نشاهد تلك الشخصيات على حقيقتها، حيث يتخيلهم كل إنسان بشكل معين في ذهنه، لافتا إلى أن الأداء التمثيلي للصحابة والأنبياء يخلق نوعا من البلبلة. وأشار وحيد حامد إلى أنه في مثل تلك الحالات نلتزم بقرار مؤسسة الأزهر الشريف، وما يصدره في هذا الشأن، لمكانة تلك الشخصيات وهيبتها. ورفض مخرج العمل السوري حاتم على التعليق على كل ما يثار ضد مسلسل «الفاروق عمر»، مؤكدا أنه لن يتحدث عن أي تفاصيل إلا مع بداية عرض الحلقة الأولى من المسلسل، رافضا الإفصاح عن إمكانية ظهور شخصية الفاروق في المسلسل، مضيفا ان عقده مع القناة يمنعه من الحديث عن تفاصيل العمل إلا بعد عرض الحلقة الأولى منه.