السودان شهد 6 آلاف معركة.. و17 ألف مدني فقدوا حياتهم    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى أول تقرير ميدانى جوبا عاصمة الحرب تجنى ثمار السلام
نشر في الراكوبة يوم 16 - 09 - 2010

تعيش مدينة جوبا عاصمة الجنوب السودانى أجواء غير عادية، مع العد التنازلى لأهم استفتاء فى تاريخ شعب السودان، يقرر فيه أهل الجنوب مصير بقائهم فى السودان، أو الانفصال فى دولة مستقلة.
فى التاسع من يناير 2011 يقول أبناء الدينكا والنوير والشلك، أكبر القبائل هناك، كلمتهم النهائية فى علاقتهم بإخوة الشمال، حسبما قررته اتفاقية السلام الشامل الموقعة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان، الثوار الجنوبيين السابقين والحزب الحاكم فى جنوب البلاد حاليا، وحزب المؤتمر الوطنى بزعامة الرئيس السودانى عمر البشير فى يناير 2005.
«الشروق» زارت المدينة الأفريقية لتسجل وصول أول رحلة طيران مصرية منتظمة، وترصد ملامح مرحلة جديدة مع اقتراب موعد الاستفتاء المصيرى.
«ظل الجنوب منطقة حرب لمدة خمسين سنة، واليوم نحاول أن نبدأ من جديد»، يتحدث مصطفى بيونج وكيل وزارة الإعلام فى حكومة جنوب السودان بكل الثقة.
من ناحيته يحكى مسئول فى حكومة الجنوب، فضل عدم ذكر اسمه، عن صدمته لدى العودة إلى جوبا، مع اتفاقية السلام 2005. «لم يكن فى المدينة وجود لشوارع مرصوفة، ولا كهرباء ولا مياه، كما أن السيارات فى المدينة كلها يمكن أن تعدها على أصابع اليدين. ولم تكن هناك طائرات تقبل أن تأتى إلى هنا إلا بعد مفاوضات شاقة، وبأسعار باهظة».
الآن يبدو المشهد مختلفا، فهناك العديد من شركات الطيران السودانية والأفريقية الخاصة التى تصل جوبا بما حولها من مدن فى الجنوب مثل طيران 748 وجيت لنك ومارس لاند، أو بعواصم الدول المجاورة، مثل شركات الطيران الأفريقية، لتلبية الطلب المتزايد من الأجانب المقيمين فى الجنوب الذين يعمل أغلبهم فى هيئات الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية وأغلبهم أوروبيون، والسفارات، إضافة إلى الطبقة الوسطى من الجنوبيين التى خلقتها الوظائف الحكومية.
ولتلبية طلب الأوروبيين تحديدا، بدأت المحال التجارية الكبيرة، سوبر ماركت، والفنادق والمطاعم فى الظهور، ملاكها على الأغلب هنود وصينيون تدعمهم خبرات واسعة فى الوجود والاستثمار فى أفريقيا.
يذكر أن الجالية الهندية واسعة النفوذ فى شرق أفريقيا وعلى وجه الخصوص فى كينيا التى يستورد منها جنوب السودان أغلب احتياجاته، أما الصينيون فلهم وجود كبير فى صناعة النفط السودانية المرتكزة فى منطقة أبيى المتنازع عليها بين الشمال والجنوب، والتى من المقرر أن تشهد استفتاء بالتزامن معه استفتاء الجنوب.
ونظرا لأن العمالة فى جنوب السودان غير مؤهلة وغير راغبة فى ما سمته أوت دينق أسيول وزيرة القوى العاملة فى الجنوب «الوظائف الصغيرة»، مثل الوظائف الخدمية فى المطاعم والفنادق، لذا يفضل أغلب أصحاب الأعمال العمالة الكينية والأوغندية، لكن مع وجود قليل من العمالة المصرية، والسودانية القادمة من الشمال.
أنجيسا عاملة الفندق الكينية عبرت الحدود القريبة بحثا عن عمل، «جوبا لا تختلف كثيرا عن كينيا، كما أن بلدتنا قريبة من جنوب السودان». أما عباس السائق الأوغندى فقد هرب من البطالة التى تضرب بلاده، «ليس لدينا الكثير من فرص العمل فى أوغندا لذا عددنا كبير فى جوبا».
فى المقابل يتركز الجنوبيون فى العمل الحكومى الذى انفتح أمامهم مع تكوين حكومة الجنوب التى أنشأتها اتفاقية السلام الموقعة فى كينيا العام 2005، حيث احتاجت الحكومة الوليدة للآلاف لتسيير عملها، الذى يمتد على مساحة تزيد على 800 ألف كيلو متر مربع، وتخدم سكانا يتجاوزون العشرة ملايين نسمة.
وتقول وزيرة القوى العاملة فى حكومة الجنوب «منذ اتفاقية السلام بدأنا تعيين عدد كبير من الموظفين»، وتضيف كانت خطتنا تستهدف تعيين نحو مائة ألف موظف، لكننا تجاوزنا هذا الرقم بكثير الآن».
كل ثلاثاء تنظم وزارة الإعلام مؤتمرا يحضره أحد الوزراء بالتناوب، ليشرح أوضاع وزارته.
وتابعت وزيرة القوى العاملة فى هذا المؤتمر أن «التعيين جاء دون معايير، وبلا توصيف وظيفى، أما الآن فإننا بصدد وضع نظام واضح لموظفى الخدمة العامة، مستفيدين بخبرة كينيا».
وقالت حتى الآن ليس لدينا نظام تقاعد ومعاشات اجتماعية، كما أننا سنطبق من بداية العام المقبل، نظام تقارير الكفاية، حيث لن يرتقى أى موظف درجات السلم الوظيفى بدون تقارير تقييم أدائه.
وتضيف الوزيرة وضعنا قوانين مشددة لمكافحة الفساد، فنحن حكومة ما زالت فى البداية، وإذا تراخينا فى مواجهة الفساد سيتحول إلى ظاهرة.
لكن فى المقابل يستقطب مجال الإنشاءات النشط أعدادا متزايدة من الريفيين الجنوبيين أو حتى أولئك العائدين من الشمال، حيث كانوا من ركائز قطاع المقاولات السودانى.
ويشير دبلوماسى مصرى مقيم فى جوبا منذ نحو العام، «خلال الشهور الثمانية الأخيرة عشنا رصف كل شوارع المدينة تقريبا، وإقامة الكثير من المبانى الحكومية، جوبا تشهد تطورا، إضافة إلى مدينتين كبيرتين هما واو شمال غرب جوبا، وملكال إلى الشمال.
ومع رصف الطرق، تشهد المدينة زيادة فى سعة وامتداد شبكات الكهرباء والمياه، على الرغم من أن أغلب الأحياء السكنية فى عاصمة الجنوب لا تزال على النمط الأفريقى التقليدى، حيث تبنى جدران البيوت بالطوب، فيما أسقفها المائلة من أغصان الشجر، وهو نمط يسمى فى السودان «القطية».
ولن يعثر زائر جوبا على أى مقر لبعثة أجنبية أو منظمة دولية، إلا وفيه قدر من العمل الإنشائى، الذى يستهدف توسيع المقار.
ويسهم الوجود المكثف للغربيين فى جوبا فى انتعاش سوق المقاولات، كما ينعش المحال التجارية، السوبر ماركت، التى ظهرت فى عاصمة الجنوب للمرة الأولى، والفنادق والمطاعم والمقاهى.
وتشاركهم فى هذه طبقة وسطى جديدة من الجنوبيين العاملين فى المناصب الحكومية العليا، أو أولئك الذين يتعاملون معها تجاريا فى التوريد. «لدينا أعمال جيدة فى جوبا، على الرغم من غلاء الأسعار، لأننا نستورد كل ما يلزمنا من الخارج»، يقول ديليب بازاديف مدير فندق يملكه مواطن كينى من أصول هندية.
«بالطبع نستورد الكثير من كينيا لأن لدينا جالية هندية كبيرة تعمل فى جميع الأعمال التجارية هناك»، يضيف بازاديف.
لكن تظل المواصلات بلا أى جهد حكومى واضح، فلا تزال الحافلات الصغيرة، الميكروباص، والركشة «التوك توك»، هى وسيلة المواصلات المفضلة إلى جانب الدراجات البخارية التى تقل راكبا واحدا، وأجرتها خمسة جنيهات سودانية أى ما يعادل عشرة جنيهات مصرية، وهى منتشرة بشدة فى جوبا.
والعمل فى المواصلات مهنة يفضلها الشباب غير المتعلم فى الجنوب، ويبرر ماجوك سائق إحدى الدراجات البخارية حبه لمهنته بأنه «ما داير زول يقولى سوى وما سوى»، بعربية تسمى فى السودان «عربى جوبا»، ومعناها أنه لا يريد أن يكون تحت أمر أحد يقول له إفعل ولا تفعل.
لكن مما يدهش زائر جوبا البادئة من جديد هو نظام المرور المنضبط، على الرغم من عدم وجود إشارات مرور ضوئية، لكن هناك وجودا مكثفا من شرطة المرور بالملابس البيضاء والتى تضم كثيرا من السيدات.
يشير أكول سائق حافلة إن «السيارات فى جوبا ليست كثيرة، لذا فنحن منظمون، لكن إذا زادت سنصبح أسوأ من مدن كثيرة حولنا مثل كمبالا»، العاصمة الأوغندية التى عاش فيها فترة طويلة كما يقول.
صداقة مصرية
«تعلن رحلة مصر للطيران رقم 859 عن استعداد طائرتها للهبوط فى مطار جوبا الدولى. درجة الحرارة 30 درجة مئوية، والساعة 3.30، بالتوقيت المحلى. على السادة المسافرين البقاء فى مقاعدهم، وعدم فك أحزمتهم حتى تتوقف محركات الطائرة تماما».
إنه أول خط منتظم لمصر للطيران لمدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، لتصبح أول شركة طيران عربية والرابعة أفريقيا بعد كينيا وأوغندا وإثيوبيا.
على متن الطائرة كان مصطفى رشاد مدير الشئون الهندسة بجامعة الإسكندرية يراجع أوراقه. «رايحين جوبا لتسلم أراض ومبان تبع الجامعة. لدينا حتى الآن تسعة مبان سيعاد تأهيلها استعدادا لبدء الدراسة بفرع الجامعة فى جنوب السودان».
بجوار رشاد يجلس زميله أحمد عبدالحكم مدير الشئون القانونية بجامعة الإسكندرية، الذى يتوقع أياما طويلة من العمل فى جوبا. «كمان هنكمل شوية إجراءات قانونية خاصة بتنفيذ الاتفاقات بين مصر وجنوب السودان بخصوص الجامعة، الدراسة ستبدأ فى العام الجامعى 2010 2011».
يشير مصطفى رشاد إلى أن الجامعة كلفت فرع شركة المقاولون العرب العامل فى العاصمة السودانية الخرطوم، لتأهيل المبانى التسعة، استعدادا للدراسة التى ستبدأ فى كليات الطب البيطرى والزراعة والتمريض والتربية.
وأضاف أحمد عبدالحكم «بالفعل استكملت إدارة الجامعة اختيار أعضاء هيئة التدريس المنتدبين، إضافة إلى الموظفين الإداريين».
يذكر أن العديد من قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان من خريجى الجامعات المصرية، حيث إن أكثر من ثلث وزراء حكومة جنوب السودان درسوا فى مصر، وبحسب أحمد عبدالحكم فإن سلفا كير ميارديت رئيس الحكومة وقرينته هما من خريجى جامعة الإسكندرية.
لم يكن مندوبا جامعة الإسكندرية هما البعثة المصرية الوحيدة على الطائرة التى قطعت أكثر من 4500 ميل فى نحو خمس ساعات، إضافة إلى 40 دقيقة توقف فى مطار الخرطوم.
ضمت الرحلة عددا كبيرا من العاملين فى وزارة الصحة أطباء، بينهم طبيبة، وعددا من الممرضين والموظفين. ففى جوبا مركز صحى «العيادة المصرية»، إضافة إلى عدد من الأطباء فى بعض مستشفيات المدينة.
من المعروف أن وزارة الخارجية أسست وحدة لتقديم المساعدة لجنوب السودان تتبع صندوق المعونة الفنية للدول الأفريقية، إضافة إلى تقديم مصر مساعدات بقيمة 300 مليون دولار، فى صورة مشاريع للخدمات الاجتماعية، فى إطار «بذل الجهود عربيا وأفريقيا لجعل الوحدة خيارا جذابا» للجنوبيين عند تصويتهم فى الاستفتاء على حق تقرير المصير، المقرر فى التاسع من يناير المقبل، ليختاروا ما بين الوحدة الطوعية مع شمال السودان أو الاستقلال عنه وتأسيس أحدث دولة فى العالم.
«بمجرد توقيع اتفاقية السلام فى العام 2005، وتوقف القتال كنا أول دولة تفتتح قنصلية فى جوبا، وكان الرئيس مبارك أول رئيس دولة يزور الجنوب»، بهذه الكلمات وصف السفير مؤيد الضلعى قنصل مصر فى عاصمة جنوب السودان الوجود المصرى هناك. مبنى القنصلية المصرية من دور وسط غابات جوبا، فى حى الملكية، ويعمل به نحو 6 أفراد.
يتذكر الضلعى أن الرئيس محمد نجيب أول رئيس دولة يزور السودان بعد استقلاله، وكانت القاهرة أول من اعترف بالسودان وافتتحت فيه سفارة، وهو ما جعل مصر تحتل المركز الأول فى السجل الدبلوماسى السودانى.
واستمر الوجود المصرى هو الأكبر فى السودان منذ ذلك الوقت وحتى سنوات خلت، متمثلا فى جامعة القاهرة فرع الخرطوم، ومجموعة واسعة من المدارس المصرية، إضافة إلى دوائر مؤسسة الرى المصرية العريقة.
جوبا لم تشهد وجودا مصريا إلا منذ سنوات خلت، وينقل الضلعى عن سلفا كير رئيس حكومة الجنوب أن «المعونة المصرية أكثر المعونات أثرا فى الجنوب حيث يستطيع أن يلمسها كل جنوبى».
ويسرد القنصل المصرى مظاهر هذا الوجود «لدينا العيادة المصرية فى جوبا التى تستقبل 200 حالة يوميا بالمجان، إضافة إلى صرف الدواء بأسعار رمزية، كما شهدنا قوافل طبية توجهت إلى ولايتى شرق الاستوائية والبحيرات».
وتابع «أقمنا ثلاث مدارس صناعية ستبدأ استقبال الطلاب فى هذا العام، إضافة إلى مدرستين زراعيتين».
يذكر أن الوجود المصرى فى جنوب السودان لم يتعد مدرسة فى مدينة ملكال على النيل الأبيض، شمال الإقليم الجنوبى.
ويتوج هذا الوجود التعليمى بافتتاح جامعة الإسكندرية التى تبدأ بعدة كليات تحتاجها التنمية فى الجنوب.
وأضاف القنصل المصرى «أقامت مصر عددا من محطات التوليد الكهربائى، فى عدد من مدن الجنوب، انتهى منها محطة واو شمال جوبا ويامبيو شرق جوبا، إضافة إلى محطات أخرى قيد الإنشاء».
بعد كل هذا يتحدث القنصل عن «أكثر من منحة تدريب، للإعلاميين، والمهندسين الزراعيين، والدبلوماسيين».
وعلى صعيد المفاوضات الجارية بين طرفى اتفاقية السلام، الحركة الشعبية لتحرير السودان الحزب الحاكم فى الجنوب، والمؤتمر الوطنى بزعامة الرئيس السودانى عمر البشير، قال الضلعى إن القاهرة ملتزمة بسياستها فى التقريب بين الطرفين. «كانت الورشة الأخيرة التى استضافتها مصر، ناجحة وجرت فى أجواء إيجابية، حيث اتفق الطرفان على استكمال تنفيذ اتفاقية السلام».
وهنا يتوقف الضلعى ليذكر بموقف مصر، التى «تريد الاستفتاء نزيها ومستوفيا جميع الشروط القانونية من حيث المواعيد والإجراءات، وإذا جرى كذلك سنعترف بنتائجه أيا تكون».
وفى مقابل الوجود الحكومى المصرى بشقيه التنموى والسياسى، بدأ وجود استثمارى تجارى فى جوبا.
يقول أحمد حسين خبير تكنولوجيا المعلومات فى شركة تعمل فى وضع نظم الإدارية للمؤسسات المالية والبنوك، «بدأنا العمل أولا مع بنك الخرطوم فى العاصمة السودانية منذ سنوات قليلة، والآن لدينا فريق فى جوبا للعمل فى بنك الجبال، الذى افتتحه عدد من المسئولين الأسبوع الماضى».
فى حماية الإله حورس
تحركت حافلات المطار باتجاه الطائرة البيضاء التى لا تحمل «وجه الإله حورس»، شعار مصر للطيران الشهير، وكأنها ليست تابعة لشركة الطيران الأولى عربيا وأفريقيا، تأسست فى 1932، بل مجرد طائرة خاصة تنقل مجموعة من المسافرين فى رحلة غير منتظمة.
«إيه ده؟ ليه الطيارة شكلها كده؟».
سأل أحد الركاب باندهاش، فرد راكب «يمكن عشان رايحة جوبا»، فقال الأول «غريبة دى أول رحلة، كان لازم يستعدوا أكتر».
«قضينا الإجازة فى القاهرة ودلوقت راجعين الخرطوم عشان مدارس الأولاد» هكذا أجاب عبدالوهاب المحاسب فى أحد بنوك العاصمة السودانية، مضيفا «مش رايح جوبا، أن عمرى ما رحتها أصلا».
لم يكن الرد مستغربا من مواطن شمالى اعتاد أن الجنوب منطقة حرب، لم تعرف السلام سوى لفترات قصيرة من عمر السودان المستقل فى العام 1956، (من 1972 وحتى 1983، ومن 2005 حتى الآن).
لكن من ناحيتها أكدت روزمارى أم من جنوب السودان كانت فى زيارة للقاهرة مع زوجها أن «خط مصر للطيران لجوبا هيسهل حاجات كتيرة علينا» لتضيف «الأول كنا لازم ننزل الخرطوم، وبعد كده نفتش على طيارة قطاع خاص عشان نسافر بيها الجنوب، وده طبعا بياخد وقت كتير».
وتابعت روزمارى «كانت التذاكر غالية، أقل حاجة للفرد 500 دولار للذهاب، لكن دلوقت التذكرة ذهاب وإياب من القاهرة لجوبا نحو 600 دولار».
قطعة من السودان
«يا سحنة نوبية
يا كلمة عربية
يا وشمة زنجية»
كلمات أغنية للمطرب السودانى محمد وردى تلخص تلك القارة العملاقة، وربما تلخص حربا أهلية دموية هى الأطول أفريقيا، خمسون عاما من أغسطس 1955 حتى يناير 2005، بين العرب والأفارقة، راح ضحيتها ملايين القتلى من الجانبين.
ومن نافذة الطائرة يمكن رصد التنوع السودانى بسهولة، فعند دخول الأجواء فوق «سلة غذاء أفريقيا» تظهر الصحراء التى يشقها نهر النيل حيث يعيش على ضفافه النوبيون السودانيون وهم امتداد لإخوانهم النوبيين المصريين، يزرعون ضفاف النهر العظيم وجزره بالرى الصناعى عبر الترع والقنوات.
وجنوبهم تتابع القبائل العربية كأنها تتناظر مع مثيلاتها فى صعيد مصر، فى المأكل والملبس والموسيقى وانتشار التصوف، ويجاورهم الابالة، أى رعاة الإبل، حتى العاصمة السودانية الخرطوم.
ومن أبناء هذه القبائل تكونت النخبة السودانية الحاكمة المرتبطة بمصر، تعليما وتوجها وهوية، تلقفوا منها حضارتها الأولى المصرية القديمة، ثم المسيحية فى العصر الرومانى، والإسلام فى العصور الوسطى، وأخيرا الدولة الحديثة مع فتح محمد على للسودان العام 1821.
بعدها تبدأ سهول وادى النيل فى الاتساع فيما يعرف جغرافيا بالسافانا الفقيرة ثم الغنية، وأهم مراكزها إقليم الجزيرة المحصورة بين النيلين الأزرق الهادر من الهضبة الإثيوبية، والأبيض المتدفق من البحيرات الاستوائية، حيث تتنوع الزراعة ما بين الذرة الرفيعة غذاء أهل وسط السودان المعتمدة على الأمطار الموسمية، والزراعة الحديثة التى بدأها الاستعمار البريطانى أوائل القرن العشرين بالقطن، ثم توسعت لتشمل زراعة القصب والأرز، والمعتمدة على الرى الصناعى من ترع السدود على النيل الأزرق.
ومع التوجه جنوبا تظهر منطقة المستنقعات، التى تضيع فيها أغلب مياه النيل الأبيض، وتزيدها غرقا منسوب أمطار يتجاوز مئات المليمترات.
من المعروف أن مصر بدأت العمل مع السودان وبالتعاون مع فرنسا لحفر قناة سميت «قناة جونجلى» فى العام 1977، والتى كان من المقرر الانتهاء منها فى النصف الثانى من الثمانينيات، إلا أن العمل توقف مع بداية الحرب الأهلية السودانية فى مايو 1983.
وتوفر قناة جونجلى لمصر ما بين 3 و 4 مليارات متر مكعب من المياه، ومثلها للسودان، كما ستجفف مساحات واسعة من المستنقعات التى تهدر فيها المياه، وتجعلها صالحة للزراعة، وتقدر المساحة ببضعة ملايين من الأفدنة التى سيحتاجها الجنوب بصورة ماسة.
ويشير الضلعى فى حديثه مع «الشروق» إن «مصر وحكومة جنوب السودان اتفقتا على إعادة النظر فى بعض جوانب المشروع بناء على ملاحظات الجنوبيين»، مشيرا إلى أن أغلب هذه الملاحظات هى تتعلق بالجوانب البيئية للمشروع إضافة إلى تجنب الإضرار بمواقع الرعى للقبائل الجنوبية.
هيثم نورى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.