تعدد الأزواج والزوجات في الدراما المصرية وفي مسلسلات رمضان بصفة خاصة، أصبح تقليدا سنوياً وكأنه منهج يهدف الى التشجيع على الزواج بأكثر من واحدة للقضاء على العنوسة بعد تفاقم المشكلة وصعوبة ايجاد حلول جذرية لها. هذا بالنسبة لتعدد زيجات الرجل، أما فيما يخص زواج المرأة بأكثر من رجل بعد طلاقها أو وفاة زوجها فهذا أيضاً ربما يدخل تحت بند العفة والحصانة الشرعية من الفتنة، وكلها تفسيرات يحاول بها البعض تبرير الاتجاه العام للنوعية الدرامية المختلفة والتي لم تكن موجودة قبلا نتاج مسلسل الحاج متولي الذي لعب الفنان نور الشريف فيه شخصية الرجل المزواج، فمنذ نجاح هذا المسلسل بدأ التكرار واللعب على نفس الوتر فقد ألحقه نور نفسه بمسلسل آخر هو العطار والسبع بنات، وكالعادة لاقى قبولا جماهيرياً واسعاً برغم الهجوم الضاري عليه من النقاد حينذاك. ولعل الهجوم جاء لوقف عملية الترويج للزواج العشوائي ونشر ثقافة الانفلات العاطفي التي تدفع طائفة من الحرفيين والمعلمين لتقليد ما يرونه على الشاشة لشدة انبهارهم به فالنجوم عادة ما يكونوا مؤثرين في توجيه الرأي العام سلباً وإيجاباً، وفي بلد مثل مصر يعاني من كثافة سكانية وتضخم في زيادة نسبة المواليد لابد وأن تمثل الظاهرة الفنية عبئاً عليه. المشكلة ان القضية لا زالت مستمرة والاستثمار الاقتصادي لدى المنتجين لم يتوقف عند المواعظ والإرشادات، بل زاد معدل لدراما النوعية وزاد الإقبال عليها من جميع الفضائيات، فأنتج في رمضان الماضي مسلسل 'زهرة وأزواجها الخمسة' للثنائي غادة عبدالرازق والفنان المعتزل حسن يوسف، وقد لوحظ أن تحولا ما مس الشكل والمضمون فبدلا من إسناد البطولة لعنصر رجالي حدث العكس وصارت المرأة هي محور الاهتمام الرئيسي طوال ثلاثين حلقة، فالمدعوة زهرة يتهافت عليها الرجال من مختلف النوعيات والأعمار ويدفعون لقاء رضاها ملايين الجنيهات يلقي بها تحت أقدامها، حتى الرجل التقي الورع الذي جسد دوره حسن يوسف كان واحداً من المتيمين بها، وذلك دون أسباب موضوعية تجعل من مبادرات الرجال الخرقاء عملاً منطقياً اللهم غير التدني والشهوانية وعدم القدرة على التمييز! كانت الحلقات الثلاثين لزهرة وأزواجها العام الماضي مدعاة للتهكم والسخرية، ومع ذلك فقد فوجئنا هذا العام وعلى ذات الموعد مع رمضان بمسلسل آخر عنوانه 'الزوجة الرابعة' وهو تنويع على فيلم الزوجة الثانية لسعاد حسني وشكري سرحان وصلاح منصور وسناء جميل ولكن مع الفارق الكبير والعظيم في الطرح والمستوى والجودة. المسلسل المعروض حالياً على عدة قنوات فضائية يتصدر بطولته مصطفى شعبان وعُلا غانم ولقاء الخميسي وحسن حسني وتدور أحداثه حول مفهوم قديم جديد لشخصية 'سي السيد' التي ابتدعها الروائي الكبير نجيب محفوظ في 'الثلاثية' وقدمها للسينما مخرج الروائع حسن الإمام، مصطفى شعبان في مسلسل الزوجة الرابعة يعيد تجسيد الدور مرة أخرى مع بعض الاختلافات الجوهرية، ولكنها ذات الفكرة تتطور بتطور العصر والمرحلة، فهو الزوج المسيطر القوي الذي لا ترد له كلمة ولا يعصى له أمر، ديكتاتور ليس بمواصفات السيد أحمد عبدالجواد الجسمانية من طول وعرض ولكنه يتميز بما لم يتميز به بطل الثلاثية حيث يمتلك أربع زوجات بينهن زوجة لبنانية تعد له أشهى الأطعمة وترتدي أحسن الأزياء وتمعن في الاهتمام بمظهرها، إضافات درامية وضعها الكاتب والمؤلف أحمد عبدالفتاح لتعطي للحكاية الكوميدية مذاقاً مختلفاً وتمنح المخرج مجدي الهواري فرصة لاستغلال المشهيات في الترويج الجماهيري، خاصة أن معظم البطلات نجمات في السينما تعود معجبيهم أن يرونهم في شكل جذاب ومغري، لذا حرص المخرج على تحررهن النسبي بعيدا عن الإطار التقليدي المحافظ للشاشة الصغيرة. يشكل فريق العمل مصطفى شعبان وزوجاته الأربعة تناغماً يبدو نشاذاً في بعض الأحيان نتيجة أن صغر سن البطل لم يتناسب مع تجاربه الافتراضية ولم يليق به لقب الحاج الذي ينادي به طوال الوقت، غير أن الحوار الدارج بينه وبين زوجاته لا يخرج عن صيغ الأمر والنهي بما يولد إحساساً بعدم الاقتناع لكون الزوجات يبدون أكثر وقوة منه، ويرجع ذلك لطبيعة مصطفى شعبان الرقيقة والتي تتسم بالهدوء وتبعد كل البعد عن العنف والغلظة. وبرغم التنوع في سلوك شخصية البطل من الطابع الشعبي الى الشخص المودرن واختلاف المظهر الخارجي الذي يتراوح ما بين الجلباب الأفرنجي بياقته البيضاء النظيفة واللباس المعتاد للموظف الميسور بنطلون وقميص من النوع الفاخر، برغم كل هذه التنويعات تظل الشخصية في حاجة الى شيء أساسي تفتقده طوال الوقت ويمثل حاجزاً بينها وبين المشاهدين. البطلات الحسناوات خسرن الكثير في هذا المسلسل لكونهن مجرد تابعات للرجل لم يضفن شيئاً يذكر لأدوارهن غير محاولات يائسة لخلق الكوميديا بالاستظراف تارة والبلاهة تارة أخرى والانشغال بأحاديث نسوية فارغة من مضمون حقيقي اللهم إلا المماحكة في الزوج 'سي السيد' '21012'، النسخة الباهتة من يحيي شاهين، صاحب الامتياز الأول مع مرتبة الشرف في التعبير عن صورة الرجل الشرقي بكل عنفوانه وصولجانه وسيطرته، صورة يصعب استنساخها وتكرارها أو الاقتباس منها. يظل مسلسل 'الزوجة الرابعة' مجرد نوع درامي يستهجنه البعض ويستحسنه البعض الآخر، لكنه أبداً ليس عملاً خارقاً. القدس العربي