تعتبر الإجازات المرضية من أكثر أسباب المشاكل بين الموظفين والمرؤوسين، وتشكل عبئاً اقتصادياً على كليهما، ولا تزال الكثير منها مجهولة الأسباب، واليوم قدم باحثون من النرويج دراسةً يشيرون فيها إلى أن التوتر قد يكون سبباً في هذه الإجازات. وأظهرت دراساتٌ سابقة الرابط بين المشاكل النفسية وزيادة احتمال أخذ الإجازات المرضية، ولكنها لم تحدد أيها السبب وأيهما النتيجة، فهل تزيد المشاكل النفسية من احتمال أخذ إجازاتٍ مرضية أم أن تلك الاخيرة تؤدي إلى الإصابة بمشاكل نفسية أو مفاقمتها؟ وقد ضمت هذه الدراسة حوالي 13436 شخصاً تمت متابعتهم على مدى 6 سنواتٍ وجمع معلوماتٍ عن الإجازاتِ المرضية التي بلغت 16 يوماً أو تجاوزتها، كما تمت دراسة العوامل الأخرى التي قد تسهم بهذه الإجازات كالصحة العامة والحالة الاقتصادية والاجتماعية. ووجد الباحثون أن الأمراض النفسية الشائعة كالاكتئاب والقلق (التوتر) تزيد من مدة الإجازات المرضية (التي تتجاوز التسعين يوماً) وتزيد من تكرارها، كما وجدوا أيضاً أن خطر تكرار هذه الإجازات أكبر لدى من يعانون من الاكتئاب والقلق معاً مقارنة بالمكتئبين فقط. وتذكر الباحثة الرئيسية في هذه الدراسة وطالبة الدكتوراة في جامعة برغن الدكتورة آن كريستين كنودسين "بشكل مفاجئ وجدنا بأن الاكتئاب وحده كان عامل خطر أقوى للغيابات المطولة والمتكررة من الاكتئاب وحده، كما أن القلق يبدو عامل خطر مستقل لأخذ إجازة مرضية كما وجدنا زيادة خطر الغياب بحجة المرض بعد ستة أعوامٍ من تقييم مستوى القلق لدى المشاركين في هذه الدراسة". كما وجد الباحثون بعد استبعاد تأثير الألم - الذي يمكن أن يترافق بقلق- ازدياد هذا الرابط بين الإجازات المرضية والأمراض النفسية مما يدل على أهمية القلق كعامل مستمر يؤدي إلى زيادة الغيابات المرضية. وتعبر الدراسة الحالية هي الأولى التي تمتد على مدى فترةٍ زمنية كافية لتخولها الاستنتاج الموضوعي، فوفقاً للدكتورة كنودسين التي تعمل أيضاً في قسم الصحة النفسية في المعهد النرويجي للصحة النفسية "استندت الابحاث السابقة بشكلٍ كبير على المعلومات من المرضى أو من المؤسسات أو من شهادات الإجازة المرضية، أو من دراسات أجريت بحيث يتم قياس المرض النفسي خلال الإجازة المرضية، وكان النوع الأخير من الدراسات إشكالياً للغاية لأننا لا نعرف فيه من أتى أولاً، الإجازة المرضية أم المرض!". وتشير الدكتورة كنودسين إلى أن الدراسات السابقة قد تكون بالغت في تقدير أهمية الاكتئاب في هذه الإجازات المرضية إذ أن دراستهم الحالية وجدت بأن الاكتئاب وحده لا يشكل عامل خطر بهذه الأهمية لكثرة الإجازات المرضية. وتشير اخيراً إلى أهمية استقصاء المشاكل النفسية عند كثرة الإجازات المرضية لأن عدم معالجتها في الوقت المناسب قد يؤدي الى دخول المصابين بنوع من الحلقة المفرغة حيث تزداد شدة القلق والتوتر الذي يعيشونه مع كل إجازة مرضية مما يدفعهم لأخذ المزيد من الإجازات مستقبلاً وهكذا دواليك.