كاميرا المخرج إسلام خيري نجحت بامتياز في العودة بالمشاهد إلى زمن وقوع الأحداث في منتصف القرن العشرين الفيشاوي أبهرنا بأدائه في المسلسل من خلال تقمصه لدور مفتش الري ليس فقط من خلال شكل ملابسه ولكن من خلال شعوره بمعاناة الفلاحين أحمد صابر عندما نتابع مسلسلا للفنان جمال سليمان خاصة حينما يكون من الدراما الصعيدية، سرعان ما يتبادر الى الأذهان أداؤه في مسلسلي «حدائق الشيطان» و«أفراح إبليس» وننتظر أن يكون العمل في هذا المستوى نفسه، ولكن يبدو أن سليمان في جعبته الكثير وباستطاعته المحافظة على ذلك القدر الكبير من النجومية والتألق، فقد واصل تألقه هذا العام بمسلسل «سيدنا السيد» من تأليف ياسر عبدالرحمن وإخراج إسلام خيري، حيث جسد شخصية «فضلون الديناري» الرجل القوي الذي يحكم أهالي «نجع السيد» بالقوة مستخدما مبدأ «العصا لمن عصا». دور مختلف فرغم تقديمه لدور المتسلط في أعماله السابقة إلا ان إطلالته هذا العام في «سيدنا السيد» كانت من خلال عباءة «فضلون الديناري» بصورة اخرى، وان اتفقت مع أعماله في الشكل والأداء إلا انها اختلفت في الفكرة والمضمون، فالقوة التي بدا عليها في المسلسل ليست قوة مفرطة ولكنها مزيج بين القسوة والتدين والطيبة والسعي لتطبيق العدل بالحزم، وتكمن صعوبة الدور في الغموض الذي يكتنف شخصيته مما يجعل أهالي القرية يحتارون في فهم طبيعة «فضلون» حيث نجح سليمان بالتغلغل في أعماق الشخصية وخلق نوع من التوازن بين تناقضاتها باستخدامه للآيات القرآنية والأحاديث الشريفة في سياق النص مما أضفى مسحة من التقوى خففت حدة الجبروت والاستبداد، فالعمل الذي دارت أحداثه في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين في احدى قرى صعيد مصر، قدم نموذجا للعلاقة بين الحاكم والمحكوم من خلال شخصية «العادل المستبد» الذي يفرض العدل بين الجميع بالقوة، ومن الممكن ان يصلح ذلك النموذج للتطبيق في الدول العربية خاصة بعد الانفلات الذي صاحب ثورات الربيع العربي. روعة الصورة نجحت كاميرا المخرج إسلام خيري بامتياز في العودة بالمشاهد الى الماضي زمن وقوع الأحداث في منتصف القرن العشرين، حيث نرى جمال الصورة والاهتمام بأدق التفاصيل في البيئة الصعيدية من ملابس الفنانين وديكورات المنازل والأسلحة المستخدمة، فمثلا لاحظنا استخدام «لمبات الجاز» في مشاهد الريف نظرا لعدم وجود كهرباء في صعيد مصر بهذا الوقت باستثناء منزل فضلون الديناري الذي يضاء عن طريق مولدات الكهرباء، فالاتقان في إخراج المسلسل يرجع الى تصوير الأحداث في أماكنها الطبيعية ما بين الأقصر وسوهاج، مما جعل المتابع يشعر بأن كل مشهد حالة فريدة مليئة بالحيوية، كما جاءت الألفاظ المستخدمة مغرقة في المحلية وبدا ذلك واضحا على لسان الممثلين وكانت الكلمات صعيدية بحتة، فمثلا ورد ذكر كلمة «فسقية» في اشارة الى «القبر» و«جبانة» وتعني المقابر بصفة عامة و«مساخيط» اي التماثيل الأثرية، ومن هنا نستطيع القول ان الشكل (الإخراج) ربما يكون قد تفوق على الفكرة في العمل. الفيشاوي مفاجأة إذا كانت الأعمال الفنية تعتمد على شخصية أساسية لتشكل محور العمل، فإن المخرج الصاعد إسلام خيري نجح في تقديم الفنان الشاب احمد الفيشاوي في ثوب جديد ليكون مفاجأة «سيدنا السيد» وأدى الفيشاوي دور «عبدربه» مفتش الري في «نجع السيد» والذي صدم عقب قدومه من القاهرة بعادات وتقاليد الصعيد الصارمة، فأبهرنا الفيشاوي بأدائه في المسلسل من خلال تقمصه لدور مفتش الري ليس فقط من خلال شكل ملابسه ولكن من خلال شعوره بمعاناة الفلاحين وحرصه على حل مشاكلهم وتعاطفه الشديد معهم، كما يبدو هادئا يتكلم بلغة العقل والمنطق ويمكن القول ان مسلسل «سيدنا السيد» بمنزلة شهادة ميلاد حقيقية للفيشاوي في عالم الدراما. رقم صعب مع التسليم بأن الكمال صعب المنال في اي شيء ومع الاعتراف بوجود أخطاء بسيطة شابت جمال العمل مثل زيادة مشاهد «الفلاش باك» في الحلقات الأولى، وبالرغم من عدم الانتهاء من عرض الحلقات بالكامل، فإن «سيدنا السيد» الذي عرض على عدة قنوات مصرية وعربية حظى بنسبة مشاهدة كبيرة، وكان واحدا من الأرقام الصعبة وسط زخم مسلسلات رمضان 2012 وعملا فنيا مميزا في الشكل والمضمون، كما انه شكل نقطة انطلاق قوية لطاقم العمل نحو النجاح والتألق.