كنا نتمتع في السودان بالتعليم المجاني والعلاج المجاني ... وبعد ذلك جاءت الدولة بان مساهمة المجتمع ضرورية لترقية التعليم والعلاج وحتى تتوفر للمواطن خدمات جيدة ومستديمة... وصدقنا ذلك! ولكن تحول الامر من مجرد مساهمة الى عبء وصار النظرة الى التعلم والصحة وخدمات اخرى نظرة تجارية فظهر التعليم النوعي والعلاج النوعي اللذان لا يتمتع بهم إلا من يملك المال الوفير. نحن لا نريد ان نتكلم هنا عن العلاج ولكن فقط عن التعليم الخاص الذي من يقترب منه عليه دفع مصاريف باهظة... بدأ التعليم الخاص برياض الاطفال حيث تخلت الدولة عن التعليم ما قبل المدرسي فصارت رياض الاطفال مجالاً للاستثمار... ثم امتد الى المدارس فظهرت مدارس التعليم الخاص كاستثمار وانتقل الاستثمار الى الجامعات فتنوعت الجامعات الخاصة وانتشرت وارتفعت الرسوم الدراسية... والادهى والامر من ذلك فتحت الجامعات الحكومية ابوابها للقبول الخاص، والقبول الخاص يعني القبول بمصاريف وبدأت العملية التعليمية تتوافر للذي يملك المال فمن يملك المال يستطيع الاستمرار في الدراسة التي يختارها وظهرت ممارسات غريبة نذكر منها الرسوم التي تدفع مقابل مواد التخلف، وهي تعني ان الطلاب يمكن ان يترك بعض المواد برغبته ثم يمتحنها فيما بعد وعليه فقط دفع رسوم مقابل هذا الامتحان... وهذه الرسوم ايضاً اصابتها حمى الاستثمار والنظرة التجارية فصارت في بعض الجامعات الخاصة تعادل مصاريف عام دراسي كامل في جامعة حكومية بل وفي جامعة خاصة! وحتى لا اوصف بانني اكذب اتحدث من خيالي او انني افترض ذلك اقول لكم ان جامعة(.......) وهي جامعة خاصة يدفع من يرسب في مادة ليمتحنها ثانية على انها مادة مبلغ 450 جنيها للمادة الواحدة فتخيلوا اذا كانت الطالبة او الطالب يجلس لاكثر من مادة كم سيدفع؟ اليوم نسمع صوتا ينادي برفع نسبة القفبول الخاص بالجامعات الحكومية الى 50% وقد كانت في السابق وحتى العام الماضي محددة بنسبة 25% ... لقد تم تبرير رفع هذه النسبة من 25% الى 50% حتى تتمكن الجامعات الحكومية من رفع مخصصات الاستاذ الجامعي! لان ذلك سيوقف هجرة الدكاترة التي ارتفعت في الايام الاخيرة بصورة تهدد باننا يوما لن نجد من يدرس في الجامعات السودانية! ولكن بدلاً من بحث ودراسة موضوع هجرة الاستاذ الجامعي انبرى بعضهم وقلل من الهجرة وذهب الى ابعد من ذلك وقال ان هناك من يضحي! واليوم ينادون برفع نسبة القبول الخاص الى 50% من اجل وقف هجرة الاستاذ الجامعي! هل يعلم هؤلاء ان ما يتقاضاه الاستاذ الجامعي المهاجر في خلال شهر واحد يفوق راتب عام كامل في الجامعات السودانية؟ ان زيادة نسبة القبول في الجامعات الحكومية الى50% يعني ان يقل عدد المقبولين في الجامعات الخاصة او بمعنى اخر ان تغلق الجامعات الخاصة ابوابها لانه لو خير أي طالب بين الدراسة بجامعة الخرطوم برسوم وبين أي جامعة خاصة مهما كانت فسيختار جامعة الخرطوم. ان هذا القرار يجب ان يخضع لمزيد من الدراسة قبل تطبيقه. والله من وراء القصد [email protected]