ثمة ما يثير فضول السياح الذين يزورون قرية مايهوغن (Maihaugen) في النرويج، فيتجولون في ممراتها الضيقة ويسترقون النظر إلى أكواخها البالغة من العمر مئتي سنة، ويستكشفون محلات الحرف اليدوية، والحظائر الخشبية المحفورة التي بنيت تحت أشجار في هذه القرية، وهي تقاليد آتية من مزارع وغابات بعيدة. يريد الزوار أن يعرفوا ما إذا كانت جذور شخصيات النرويج، من رجال دولة ومخرجين ورسامين وفنانين، من أكواخ هذا البلد المتواضعة. سأل أحد الزوار: «ماذا عن الأنثربولوجي ثور هييرداهل (Thor Heyerdahl) الذي ألّف كتاب Kon-Tikiوهل من صلة بين هنريك إبسن (Henrik Ibsen) وإدوارد غريغ (Edvard Grieg )؟» مع حلول موسم السياحة في النرويج، تتبنى كل قرية صغيرة مشهورة بقصة أو أسطورة، أحد أبناء النرويج المشاهير. يتحدّر من هذه القرى الكاتب هنريك إبسن، إدوارد مونش (Edvard Munch)، الرسام والروائي سيغريد اندست (Sigrid Undset) الحائز جائزة نوبل، وما زالت المواضيع التي عالجها تقرأ لغاية اليوم. وأحد المشاهير المتحدرين من هذه القرى المؤلف الموسيقي إدوارد غريغ (Edvard Grieg) الذي ألف موسيقاه تحت هذه الأشجار الشمالية. ببساطة، كان حلّ سر النرويج المفتاح لعبقرية خصبة لدى كثير من الفنانين عرفوا بالمزاجية وغرابة الأطوار. فما كان منا إلا أن استأجرنا سيارة لمدة عشرة أيام وتجولنا من أوسلو(Oslo) شمال العاصمة نحو القرى المشمسة حيث تنتشر المزارع، ووصلت بنا الرحلة إلى قرية برغن (Bergen) على الساحل. وفي طريقنا بحثنا عن كنائس وأبنية خشبية، شاهدنا القرى على ضفاف البحيرات والحدائق. من حين إلى آخر كنا نتناول الغداء في الطبيعة ونحن نتفرج على مناظر جميلة، وما كان أشهى طعم الجبنة والنقانق وأمامنا مناظر كهذه. ما أجمل هذه الأرض! في الشتاء تكون داكنة وحاضنة. توقظ الشمس النرويج في منتصف الليل، وتروي ثلوجها المنحدرة من أعلى الجبال أنهرها الجارية، وتنساب شلالاتها الضخمة في وديانها الشديدة الانحدار. ومن مايو لغاية سبتمبر، ينصرف النروجيون والسياح على حدٍ سواء إلى ممارسة النشاطات، كقطف التوت، الاستلقاء تحت الشمس، التجول حول المنازل والحدائق، زيارة المعارض، ارتياد الحفلات الموسيقية والمعارض الحرفية. كان كبار العباقرة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين يترددون إلى {مقهى غراند هوتيل» (Grand Hotel Cafe) حيث كانوا يلتقون وأصدقاءهم لتناول قهوة الصباح أو عصير المساء. وما زال هذا المقهى لغاية اليوم ويرتاده سكان القرى والسياح. على جدرانه رسمت وجوه لأناس من الصعب أن تميز بينهم لكثرتهم، إلا أنها نخبة من ألمع وأفضل شخصيات النرويج. وعلى الصفحة الخلفية لقائمة الطعام يمكن أن تجد لائحة بهذه الأسماء. نحو الشمال توجهنا نحو الشمال، وفي طريقنا توقفنا لبرهة للتفرج على مرفق الوثب الطويل (long jump facility) حيث يتدرب المتزلجون في الشتاء. لكننا أمضينا معظم نهارنا في قرية مايهوجن ونحن نستكشف منازلها وحظائرها المبنية بالخشب، ومحلاتها الحرفية. توجهنا إلى الجبل الجليدي جفبري (Juvbre Glacier) المحاط بالجليد على مدار السنة، وهو مركز للتزلج وتتدرب فيه فرق التزلج في فصل الصيف. قال لنا أحد المتزلجين إنه يمضي في هذه المنطقة أسبوعاً أو أسبوعين لأنها تتمتع بأفضل نوعية ثلوج في أوروبا. فيما كنا نعبر قمة النرويج الثلجية توقفنا لالتقاط الصور، ثم تابعنا بعد ذلك إلى أسفل الانعطافات، وصولاً إلى بيرغن. أحياناً طفنا حول ال «فيورد» وأحياناً أخرى قطعنا في وسطه من خلال العبّارات التي تنقل السياح يومياً في أنحائه، ووصلنا في نهاية المطاف إلى Sognefjord العظيم، الذي يبلغ طوله 112 ميلاً وعمقه 4 آلاف قدم. على رغم القرى النائية التي افتخر غريغ بأنه أكل أو نام أو درس فيها، تظهر بلدة Lofthus، في زقاق هارد داينجر البحري، التي قضى فيها المؤلف الموسيقي اجازات طويلة، ونزل في فندق Ullensvang، وتمتّع بالهواء النقي وسار مسافات طويلة في الممرات الجبلية، وأقام لمدة سنة في أحد الأكواخ بعيداً عن العالم وانصرف إلى التأليف الموسيقي. رافقنا صاحب الفندق، إلى المقصورة، وأشار إلى مكتب غريغ وكرسيه. كما يقولون في أوسلو، «سكان بيرغن هم سلالة مختلفة»، هكذا هم فعلاً. انفصلت بيرغن، (www.visitbergen.com/en/) عن النرويج الشرقية عند الجبال، وهي مدينة في الواجهة البحرية، بناها تجار الشحن الهانزيين. لمعرفة المزيد عن أصولها، جلنا في متحف Bryggen، الذي بني فوق أساسات مساكن البلدة الأولى عند الواجهة المائية، واطلعنا على آثار منازل البلدة التي تعود إلى القرن السادس عشر لنكتشف كيف عاش التجار وعملوا. لا تنسوا أن تزوروا: سوق الخضار والسمك، قلعة بيرغوس المرممة وقاعة الملك هاكون، مع آثار يرجع تاريخها إلى حوالى 1250 سنة، منازل ومحلات تجارية على الواجهة البحرية. لا تتردّدوا في القيام برحلة تستغرق نصف يوم إلى أعلى الجبل لرؤية المدينة والخليج. بناء على إلحاح من الأصدقاء، وفرنا الوقت لوداع Troldhaugen وهي البلدة التي تقاعد فيها غريغ. هذا البيت الواسع، حيث أمضى وزوجته المغنية، السنوات الأخيرة من عمره، يطلّ على بحيرة خارج بيرغن، يحيط بها العشب الأخضر وحديقة هادئة. أما البيانو، فيوصف بأنه أهم ما في هذه الجولة. ثمة أمور يومية – أرائك الفيكتوري، الدانتيل، الطاسات، اللوحات، الصور العائلية – أعطتني الشعور بأن هذا الرجل ارتاح أخيرًا. لم يمض وقت طويل قبل بناء مؤسسة غريغ، قاعة في نهاية الحديقة الخلفية حيث تقام حفلات موسيقية على مدار العام، وفي الصيف، تقام حفلات موسيقية بشكل شبه يومي. في حال زرتها توجه مباشرة من نيويورك إلى أوسلو على خطوط كونتيننتال الجوية والخطوط الجوية الاسكندنافية. تتصل شركات الطيران الأخرى بكوبنهاغن، لندن، زوريخ، فرانكفورت وروما ومعظم المدن الأوروبية الكبيرة. أما خدمة العبّارات المائية فمتاحة من الدنمارك والسويد. السياحة بالسيارة: احجز سيارة لدى هيرتز، أفيس، أو بدجيت قبل السفر، لكل منها مكاتب في أوسلو وبيرغن. تتطلب الإقامة في النرويج رخصة قيادة دولية، عادة ما تكون متاحة من خلال نادي السيارات الخاص بك. معلومات السفر: لحفلات هذا الصيف والتذاكر، والمهرجانات والخصومات، اتصل بلجنة السياحة في النرويج، شارع 6553، نيويورك، NY 10017. الجريدة