قديماً كان النجم الغنائي تُحسب له النجومية بمعيار الأعمال التي قدمها بنفسه دون التقليد والسعي لترديد أغاني الغير.. وهو الأمر الذي كان يتجنبه أولئك الروّاد في بداية ظهورهم كفنانين. فنلاحظ أن العمالقة كانوا يقومون في البدء بترديد أغنية واحدة أو اثنين على الأكثر لفنانين آخرين سبقوهم في عالم الغناء. ومن هؤلاء الفنان محمد وردي الذي بدأ مقلداً للفنان إبراهيم عوض الذي سبقه كفنان بأربع سنوات، وبعدها تمكن محمد وردي من السير في طريق أسلوبه وصناعة شخصيته الخاصة.. أي أنه لم يكن مقلداً على الدوام لإبراهيم عوض. أما في هذا العصر الغنائي فقد انعكست موازين الأعراف الغنائية.. فصار من العادي أن يستمع المستمعون ومتابعي حركة الغناء لعددٍ من الأصوات وهي تردد أعمال الغير الغنائية وبصورة تدعو للرثاء.. ظاهر الأمر التأثر والإعجاب بأعمال هؤلاء الرواد، وباطن الأمر خواء الساحة من الأعمال التي تضاهي تلك الغنائيات المعتقة. يقول الفنان المخضرم إبراهيم خوجلي: ليس من العيب أن تردد أعمال الغير في بداية المسيرة الفنية دعماً لصوتك الجديد بالساحة الفنية.. ولكن في حالة التكرار والسعي لجلب قدر من المعجبين والمستمعين تصبح المسألة وكأنها محاولة قذرة للتكسب من أعمال هؤلاء العمالقة، ويضيف الفنان إبراهيم خوجلي بحسرة: أنا شخصياً بدأت في ترديد أعمال الغير ولفترة قصيرة وتحديداً أغنيات الحقيبة ولكن بعد عام واحد تمكّنت من صناعة شخصيتي الفنية، وكان ما كان من استمراري في هذا الطريق حتى الآن. وعلى صعيد آخر وبملاحظة بسيطة نجد أن هؤلاء المغنيين ممن يسمون أنفسهم الفنانين الشباب هم الأكثر استفادة من ترديد الأعمال الغنائية، وبل أصبحوا فناني شباك من الدرجة الأولى.. ودونكم الحفلات الجماهيرية التجارية التي يقومون بأحيائها بصورة دورية. الشاهد في الأمر عدم استفادة صناع هذه الأغنيات من شعراء وملحنين وفنانين بوصفهم أصحاب الحق الأصيل، فكانت المعايير في هذا العصر هي قانون استنه هؤلاء المقلدون وهو جني أكبر قدر من الفوائد الاجتماعية والمالية، وكذلك ضمان وجودهم على سدة الأجهزة الإعلامية بصورة متكررة، ودونكم برنامج "أغاني وأغاني" الذي لم يترك أغنية من أغنيات الروّاد إلا وكانت وجوداً خلال عمر البرنامج الرمضاني الذي أنهى موسمه الخامس هذا العام. على خلفية هذا الأمر تبرز إشكاليات عديدة وهي بالترتيب: قضية الملكية الفكرية الخاصة بحق صنّاع هذه الأغنيات.. وقانون المهن الموسيقية الأخير.. وخلو الساحة من الشعراء والملحنين القادرين على إنتاج نص غنائي يضاهي أغنيات العمالقة من ناحتي الصخر حتى أخرجوا هذه الأعمال. في الذاكرة عدداً من شواهد الحياة التي يحياها هؤلاء المقلدون من بذخ ظاهر عن طريق ترديد هذه الأغاني بينما يعيش الحقيقيون من أصحابها في حال بائنٍ من مسغبة ظاهرة. وليست الأمر وقف عنده ترديد هذه الأغنيات بجهاز التلفزيون أو أي فضائية أخرى، بل تعدى الأمر لغناء تلك الأغاني بحفلات تجارية وجماهيرية الشيء الذي يجعل الأمر أكثر خطورة باعتبار هؤلاء المقلدون أصبحوا بين ليلة وضحاها فناني شباك عن طريق سرقة الأغنيات التي ليس لهم حق في ترديدها.