هل يعتبر الطفل الوحيد والمرغوب فيه والمحبوب نموذجًا أوليًا عن الطفل المدلل؟ يسود اعتقاد أن هذا الطفل سيصبح أكثر أنانية، إذ ينصبّ عليه كامل تركيز أهله. ما الذي يجب القيام به إذًا عندما يكون طفلك وحيدًا لتجري الأمور بشكل جيد بالنسبة إليه وإلى الآخرين؟ في بعض الأسر، يعتبر الطفل الوحيد مشروعًا مقررًا مسبقًا، لكن في معظم الحالات، الحياة هي التي تفرض هذا الواقع. ظروف معينة عجز عن إنجاب طفل آخر، طلاق أو انفصال، مرور الزمن، غياب الزوج، ظروف مالية دقيقة... أو قد يرغب الزوجان في الاستفادة القصوى من الحياة الزوجية، فيقومان بخيار مدروس وهو عدم تحمّل أي مسؤولية أخرى أو تعليم أطفال إضافيين... نسمع فائضًا من الأسباب والأعذار في هذا المجال ويجب احترامها، لأن الخيار يعود إلى الدائرة الحميمة لدى الزوجين دون سواها. نجد أيضًا طفلاً “وحيدًا"، لكن له أخ (أو أخت) غير شقيق. قد يكون للوالد من جهته أطفال يزورونه خلال نهاية الأسبوع أو العطل، وإذا لم يكن للوالدة بدورها أطفال من زواجها الأول، ينشأ الطفل الجديد كطفل وحيد أكثر منه كجزءٍ من إخوة وأخوات، ذلك أن علاقة الطفل مع الأخ غير الشقيق لا تشبه العلاقة مع أخيه الذي يسكن معه في المنزل عينه، وفي أحيان كثيرة قد يكون فارق العمر كبيرًا. صورة سيئة تؤثر الحرب في الحدّ من إنجاب الأولاد، فكي لا تعاني العائلات من رؤية أولادها يقتلون في الحرب تمتنع عن الإنجاب. في المقابل، تساهم عائلات يكثر فيها الأولاد من أعمار مختلفة في إعادة بناء مؤسسة العائلة، وهو وجه إيجابي من الناحية الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما تتكون الأسرة في الأرياف من أطفال كثر بهدف مساعدة أهلهم. إذا كانت هذه التأثيرات قد فقدت من قيمتها بطريقة أو بأخرى، إلا أن صورة العائلة مع طفل وحيد ما زالت صورة سيئة في ذهن البشر. من هنا لا يجوز اتهام الطفل بالأنانية بل الأهل، لأن الطفل الوحيد يترعرع في عائلة متماسكة اختارت ببساطة إعطاء أهمية إلى علاقة الزوج والزوجة، بالتالي لا تريد إنجاب كثير من الأولاد وتحمل مسؤوليات إضافية، إن على الصعيد العاطفي والتربوي أم على الصعيد المالي. إذًا، يختار الوالدان التركيز على العلاقة التي تجمع بينهما وتقديم الأفضل لولديهما. أما في ما يتعلق بصورة الطفل الوحيد، فلم تتطور مع الزمن، من هنا على والدي الطفل الوحيد أن يدركا تمامًا أن الطفل المدلل: يصعب عليه تكوين صداقات بما أنه اعتاد أن يعيش وحيدًا. سيكون تلميذًا ناجحًا مع الأخذ في الاعتبار الوقت الذي يمضيانه معه. سيكون أقلّ قدرة على مواجهة المشاكل لأنه اعتاد أن يبقى محميًا. سيواجه مشكلة في فرض نفسه. يريد دائمًا أن يكون القائد. لن يسمح أبدًا بإقراض أغراضه. سيكون طفل أمه المدلل. صح أم خطأ؟ قد تكون الإجابة صحيحة أو خاطئة في الوقت عينه، لأن من الواضح أن تربية طفل وحيد مهمة مغايرة تمامًا عن تربية ولد وسط إخوة وأخوات. وما يهم في الأمر أن يساعد الوالدان الطفل الوحيد على التطور وتجنب بعض العثرات. في ما يلي مبادئ يجدر اتباعها: -1 مساعدته على الانخراط مع الأطفال عادة ما يكون الطفل الوحيد محاطًا بالبالغين أكثر منه بالأطفال، لذا لا تفتقد شخصيته إلى النضوج في هذا المستوى، بل على العكس، من المهم إعادة التوازن إلى حياته من خلال حثه على الانخراط مع أطفال من سنه، عبر الذهاب إلى أعياد ميلاد رفاقه والمشاركة في رحلات وزيارة الأصدقاء. -2 تشجيعه على المشاركة قد يكون الطفل الوحيد أنانيًا ولا يشارك أغراضه مع الآخرين لأنه في الواقع لم يعتد ذلك، وقد تتكون شخصيته بشكل غرائزي لتكون أنانية، إلا أن هذا الأمر يبقى نسبيًا، مع التشديد على دور الأهل في مساعدته على مشاركة الآخرين ألعابه وأغراضه... -3 يجب ألا ننقل طموحاتنا الخاصة إليه إحدى المشاكل التي يواجهها الوالدان في تربية الطفل الوحيد الإفراط في «استثماره». في الواقع، هو يمثل المستقبل بالنسبة إليهما، فيرغبان في تسهيل كل شيء أمامه كي لا يعاني المتاعب التي واجهتهما في الماضي. سيحاولان تقديم أفضل تربية ممكنة تشمل نشاطات كثيرة كالرياضة والثقافة والموسيقى، التي غالبًا ما تتعب كثافتها الطفل ويدرك بسرعة أنه محكوم عليه بالنجاح. قد يدفعه هذا الضغط إلى التمرد في المراهقة فلا يتمكن الوالدان من فهم كيف استطاع هذا الطفل اللطيف أن يتحول بهذه الطريقة! لذلك يجب تقبل الطفل في حجمه الطبيعي وشخصيته المحددة، بدلاً من تحميله مسؤولية تحقيق أحلام والديه التي قد تؤدي به إلى الانزواء والشرود، وحتى الاكتئاب ومحاولة الانتحار وتشويه الصورة التي يحملها عن نفسه، وشعوره بأنه لم يكن يومًا على مستوى توقعات الأهل. -4 السماح له بحرية التصرف منذ ولادة الطفل إلى نخشى عليه من أي مكروه: خوف من حادث أو مرض أو تعاطي المخدرات أو الموت... مع ذلك، يجب أن نتعلم كيف نترك للولد حرية التصرف ونتقبل أنه قد يتعرض للمخاطر، لكنه قادر على الاعتماد على نفسه ومواجهتها. -5 رابط بين الأم والابن من الطبيعي أن يتعزز الرابط بين الأم ووحيدها لأنها تصبّ عليه حنانها وحبها، وهو يشعر بذلك. لكن يصبح هذا الرابط أقوى عندما يجد الطفل نفسه مع أمه فحسب، خصوصاً في حال تم الانفصال بين الوالدين. من الصعب إذًا التخلي عن بناء مثل هكذا رابط، لكن في بعض الحالات، يصبح الصبي طفل أمه المدلل والمؤتمن على أسرارها لأنه عادةً ما يسمع أحاديثها وحواراتها، وقد يشكل ذلك عبئاً عليه ويولد في نفسه، مع الوقت، ضغينة تجاهها. في هذه الحالة، حريّ بالأم التمييز في التربية بين الفتاة وبين الصبي. في المحصلة، ينبغي التأكيد على أن مشكلة الطفل الوحيد تكمن في التربية وليس في الطفل نفسه.