خليط من مشاعر الاعتزاز والاندهاش والقرف ساورتني وأنا أشاهد ردة فعل المسلمين هذه الأيام على عمل "فني" هابط، وإنجاز سينمائي لا يرقى حتى أن يراه الحيوانات، لا من حيث الشكل ناهيك عن المضمون، ومشروع هدم لصورة الرسول الأمجد، المحمد الأحمد، في قلوب العالمين، واستفزاز لمشاعر أكثر من مليار مسلم وبني البشر المحترمين للقيم الإنسانية، محاولة تشبه محاولة الواهمين من صنع الخليع من شحم النمل، أو استخراج الزبدة من حليب شجر التين. اعتزاز لا يوصف وأنا أرى العلاقة الأزلية المتينة التي تربط بين المسلمين وبين سيدنا وحبيبنا عليه أفضل الصلاة والسلام، علاقة لو أنفق أغنياء العالم وعظماء الكون أجمع على أن يحصلوا على جناح بعوضة منها لم يفلحوا في محاولاتهم المضنية، فالله الكريم يقول: "لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم"، لا يوجد بشر يحبه أتباعه مثلما يحب المسلمون نبيهم، لا يوجد مخلوق يفدونه محبوه كما يفدي المسلمون رسولهم الكريم بأرواحهم، وآبائهم وأبنائهم وما يملكون، لقد نزل قوله تعالى: "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلا منهم"، جاء صحابي جليل فقال: "لو أمرنا لفعلنا، والحمد لله الذي عافانا". واندهاش على طريقة الانفعال، وسرعة الاستفزاز، في عالم كل فعلة وردة فعل لها وزنها وتبعاتها، أليس الشديد من يملك نفسه عند الغضب؟ لماذا هذه السهولة في جرنا إلى معارك أخرى غير التي نخوض لاسترجاع الكرامة والحرية والقرار، عناصر لو كانت ما زالت عند المسلمين ما تجرأ نذل نكرة مثل الإسرائيلي الأميركي سام بازيل على أن يصف نبينا بالشاذ والمجرم، والمسلمين بحثالة متعطشي الدماء والدمار؟ ألم يكن جديرا بنا أن نعامله مثلما عامل أسلافنا أعرابيا نكرة أحمقا أراد أن يلج التاريخ ببوله على الكعبة المشرفة؟ كان أولى لنا أن نكون من عباد الرحمن الذين إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. كنت متصورا في أجواء مثالية، المسلمين مشمرين على السواعد، عاقدين العزم على إنتاج الأفلام الراقية السينمائية، والتأليف للكتب الهادفة الممجدة لسيرته العطرة، المبرزة لعظمة نبينا وسمو رسالته، كنت منتظرا ردودا فعلية راقية للتنديد تراها عيون الغرب وتبهرهم وتفجر تعاطفهم معنا، كنت أريد أن تكون مناسبة لمراجعة الذات وانتقاد النفس، هل نحن حقا تلك المشاريع الراقية التي أرادها رسولنا الحبيب، أم أصيبت تلك المشاريع بالعطل والارتداد والوهن؟ ألم يكن أفضل لنا وأزكى لنفوسنا في عالم الألغام، أن لا تكون الأشجار المثمرة أفضل منا، يرمونها الناس بالحجر، فترميهم بالثمر. إن الله جل في علاه، نهانا أن نسب الآلهة المهينة، والمعبودات الحقيرة لما يجر ذلك من تعد على الله الجليل بسبب حرقة في غير محلها، أو نية طيبة مستغفلة، أو تغيير منكر إلى منكر أعظم، قال تعالى: "و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم". وقرف من استغلال أحداث مؤلمة للجميع، لأحداث 11 من أيلول من يمين متطرف ولوبي صهيوني من جهة، لتكريس أكذوبة أن المسلمين همج ومجموعة قطاع طرق وسفاكي دماء، أو لدحض مرشح سياسي وإعلاء لآخر، ومن جهة أخرى القاعدة وأزلامها الذين يستغلون كل حدث لتلميع صورتهم ومكانتهم التي بدأت لا تجد لها مكان في أوساط المسلمين كافة، ماذا حقق الذين قتلوا السفير الأميركي وأصدقاءه الدبلوماسيين من نصر للإسلام وأهله؟ ألم يغسلوا نجاسة دم الفيلم المسيء للإسلام والمسلمين بنجاسة بولهم وفعلتهم؟ نور محمد ساطع وسيظل ساطعا، والله متم نوره إلى يوم الدين، ولو كره المجرمون الذين يريدون أن يطفؤوه بأفواههم وأوهامهم، ونعوذ بالله من الغباء في الهدى، ووقانا شر الذكاء في الضلال. عبد الكريم رضا بن يخلف كاتب صحفي [email protected] ميدل ايست أونلاين