يوم طويل في سوق مراكش، والمتعة زادها الدليل السياحي (مصطفى) الذي يملك لهجة عربية فصحى بنكهة المغرب، بلد المذاقات المختلفة والتاريخ الذي حفر أسماء من مروا على هذه المدينة التي أسّسها سنة 1070م المرابطون، وهم مجموعة قبائل رحّل أمازيغية أتت من الصحراء. وتطورت هذه المدينة تحت حكم السلطان يوسف بن تاشفين إلى حد كبير من نتائج التوسع المرابطي في إفريقيا والأندلس لتصبح المركز السياسي والثقافي للغرب الإسلامي. عرفت مراكش تحت حكم الموحدين إشعاعا كبيرا جعل منها مركزا ثقافيا واقتصاديا وسياسيا لا نظير له في الغرب الإسلامي. تحوّل (مصطفى) إلى مساعد في التسوق بعد أن قدّم لنا لمحة تاريخية عن المدينة وباتت الأسئلة تتمحور حول أسعار الجلد وأباريق الشاي المغربي وأثناء هذه الجولة والتحدث إلى الباعة الذين يجيدون التواصل مع الزبائن بلغات مختلفة، استوقفني البائع بعد أن حدثته بالفصحى عن بعض البضائع والأسعار، وفاجأني بسؤاله: من أين أنت؟ - من لبنان - آه.. من بلد نانسي عجرم؟. لم أكن مهيأ لهذا السؤال فضحكت طويلا وقلت له ألا تعرف من لبنان إلا نانسي؟ أجابني ضاحكا لقد جاءت هنا وغنت وأحبها الجمهور كثيرا.. مشيت مبتسما وأنا أفكر بصمت... لطالما تفاخرت بأني من بلد جبران خليل جبران ومن بلد عاصي ومنصور الرحباني وحسن كامل الصباح ومن بلد سعيد عقل وفيروز... اختصر البائع كل هذه التفاصيل وتعرّف علي من خلال نانسي عجرم... لا بأس... خير من أن يعرفني بأسماء أخرى قد تكون هي الإهانة الحقيقية. كان الجوع قد بلغ منا، فعدت إلى مصطفى ليرشدنا إلى مطعم يقدم المأكولات المغربية، رد الدليل السياحي بعربيته المغربية: سنذهب إلى مطعم مغربي يقصده المغاربة والسياح الأذكياء. وهكذا كان، وبرغم الحر الشديد إلا أن مذاق الطعام الرائع أنزل عنا كل التعب واستطاع أن يسجل استحسان الفريق السائح في مراكش واكتمل المشهد حين استفسرت من النادل عن الفطور الصباحي المغربي وعن الطبق الرئيسي للفطور أجابني: (الأومليت).. تابعته سائلا ألا تقدمون الفول.. أجابني تقصد الفول (المدبلج) وهو يقصد المدمس طبعا.. وهنا تصادمت الحضارات الغذائية والتبست التسميات المضحكة... لعله تأثير الدراما التركية. في فندق ناماسكار بالعودة إلى الفندق الذي يقع خارج المدينة كنت أتأمل أشجار النخيل المنتشرة هناك المطلة على جبال الأطلس وأراقب الأسوار الطينية والأبواب المزخرفة ووجوه المارة التي اعتادت رؤية السائحين واطمأنت إلى وجودهم... في الطريق كانت تمر بجانبنا دراجات صغيرة يقودها عمال وعاملات إلى منازلهم وعلى وجوههم نظرات تحمل الكثير من الأسرار. كلمة ناماسكار تعني أرقى تحية والتي تأتي من الروح إلى الروح وهذا ما تشعر به بمجرد عبور بواباته العالية... يحتل القصر 50 ألف متر مربّع من ضواحي مراكش، وحدائقه مستوحاة من طبيعة جزيرة بالي وهندسته المعمارية تتزين بخطوط شرقية وعصرية وشلالات من المياه وبحيرات ولمسات أندلسية.. يشبه مراكش ويختلف عنها... طاقته مراكشية وهدوؤه يجذب الباحثين عن فخامة الاستجمام.. ليل المكان يسرد حكايات من مروا من هنا من أمازيغ وعرب وموحدين ومنتصرين ومهزومين وعائدين من ذكريات الأندلس... قد تجد هناك بعض الأغاني العالقة على طين الأعمدة أو على وجوه الفلاحين المغاربة العاملين في تزيين الحدائق توقظهم كلمة (السلام عليكم) ليعيدوا التحية بأجمل منها كما يفعل المراكشيون على امتداد السهل المتصل بالجبال والغيوم العابرة من هناك.