إليكس فيشمان ليست هي السودان بل ايران وليس واضحا هل سلاح الجو الاسرائيلي هو الذي هاجم أول من أمس مصنع السلاح في معسكر اليرموك قرب الخرطوم. لكن الشيء المؤكد هو ان المصنع ليس للصناعة العسكرية السودانية بل هو مصنع للحكومة في طهران ويديره ايرانيون، واذا وقع مصابون في الهجوم فمن المعقول ان يكون عدد منهم على الأقل من ايران. سواء أكانت تلك عملية اسرائيلية أم أصابت جهة غربية اخرى المصنع، فهي فرصة للنظر الى ما وراء ستار حرب الظلال التي تجري بين دول غربية ومنها اسرائيل، وايران. وهي حرب عنيفة لمنظمات استخبارات وقوات خاصة تجري في الكثير جدا من الجبهات: في جنوب لبنان وفي سيناء وفي غزة والبحر الاحمر واريتيريا واليمن والسودان وغرب افريقية، واوروبا وعلى ارض ايران ايضا. وفي الحقيقة فإنه في كل مكان نجح الايرانيون في دخوله، أصبح يوجد من "يهتم" بأفعالهم. اختار الايرانيون ان ينشئوا في السودان مركزهم اللوجستي الذي يديرون منه تهريب السلاح الى غزة ولبنان. وهكذا فإن الأهداف التي هوجمت في السودان هي أهداف شرعية بالنسبة لاسرائيل. ولما كانت السفن الايرانية لا تمر بسهولة في قناة السويس ويصعب عليها ان ترسو في موانئ غربية – حيث توجد تحت الرقابة الشديدة – اختار الايرانيون طريقا آخر وهو وجود دولة يستطيعون شراءها والرسو في موانئها. ان شمالي السودان الذي كان في حرب وتحت عقوبات دولية، كان اختيارا مثاليا. وكان الايرانيون بالنسبة اليه خشبة إنقاذ. قبل أربع سنوات ونصف وقع حلف دفاعي بين شمال السودان وايران بحيث أصبحت هذه العلاقات ثابتة خطيا ايضا، وهكذا توجد اليوم في السودان مستعمرة ايرانية مستقلة تماما. وترسو سفن ايرانية في موانئها وتهبط المعدات والوسائل القتالية التي تُنقل الى مخازن يديرها ايرانيون ايضا. ويعمل مئات وربما أكثر من الايرانيين في هذا المصنع الضخم ويستعينون بالسودانيين. في الماضي، حينما نظم قادة حماس في غزة لقاء مع فروع حماس في سورية، من اجل اقرار دستور جديد، فعلوا ذلك في المستعمرة الايرانية في السودان فقد كانت أكثر الاماكن أمنا. وعمل محمود المبحوح، رجل تهريب السلاح والاموال لحماس الذي اغتيل في دبي، عمل في السودان وأدار شبكة نقلت السلاح الى قطاع غزة. انشأ الايرانيون في السودان مصانع للسلاح الخفيف والذخيرة. وتنتقل المعدات التي تخرج من هذه المصانع بعد اخفاء هويتها في قوافل برية الى مصر وتوزع من هناك على أنحاء افريقية وسيناء وفي سفن غافلة من موانئ مصر أو ليبيا – الى لبنان ايضا. قبل بضع سنين نشر ان سلاح الجو الاسرائيلي هاجم واحدة من هذه القوافل في الصحراء السودانية. مهما تكن الدولة التي هاجمت – فإن عملية جراحية جوية من هذا النوع لا تكون مرتجلة. لأن الاستعدادات لها تمتد شهورا طويلة من اجل الملاءمة بين الخطط المطوية ومن اجل لعب الأدوار وبناء نموذج وكتابة أوامر عسكرية وتدريبات. وتشارك فيها الى جانب سلاح الجو جهات مختلفة تبدأ بالجهات الاستخبارية وتنتهي الى سلاح البحرية الذي يشارك في أهداف جمع الاستخبارات والتخليص. والحديث في الحقيقة عن عملية لسلاح الجو مع غطاء من هيئة القيادة العامة. وهذه العمليات تقتضي تفكيرا وتنسيقا كاملا مع المستوى السياسي لمنع ورطات لا داعي لها لأن كل شيء قد يحدث في مدى كهذا – 1900 كم، يحتاج ايضا الى التزويد بالوقود في الجو: من ملاقاة طائرات عسكرية اجنبية الى أعطال تقنية في الجو. يشارك في عملية كهذه على نحو عام بضع عشرات من الطائرات تتصل بالدفاع والتخليص وجمع المعلومات الاستخبارية والاتصالات والقيادة والتزويد بالوقود. ويكمن سر نجاح هذا الهجوم في الخداع والمفاجأة. فالعدو لا يحدد موقعك الى ان تبلغ الهدف لكنك لا تترك علامات شاهدة ايضا. اختير المسار ايضا لخدمة موضوع الخداع، فالحديث عن رحلة جوية بعيدة المدى في الليل وعلى ارتفاع منخفض. وفي اللحظة التي تنجح فيها بالحفاظ على المفاجأة يكون القصف نفسه هو الجزء السهل لأن الحديث عن قصف هدف ساكن يستمر دقائق معدودة تختفي الطائرات بعدها. ان محاولة المقارنة بين الطيران الى السودان والطيران الى المنشآت الذرية في ايران صحيحة بصورة جزئية فقط. يجب ان يكون الايرانيون قلقين من قدرات الخداع والمفاجأة في أمداء طويلة جدا – اذا كانت اسرائيل هي التي نفذت الهجوم. وقد تعلموا شيئا ما في الحقيقة عن هذه القدرات عقب قصف المفاعل الذري في سورية اذا كان سلاح الجو هو الذي نفذه حقا. ومع ذلك فإن السودان لا يملك القدرة على الكشف والدفاع الجوي اللذين يملكهما الايرانيون ولاسيما حول المنشآت الذرية. ان الطيران فوق ايران أو نحو ايران أمر أكثر تعقيدا بكثير.