تداعيات سودانية عديدة خلفها تدمير مصنع اليرموك المنتج لأدوات الحرب و القتل بالخرطوم مؤخرا، و هو المصنع الذي ثبت فيما بعد بأنه يمثل أحد أوجه التعاون العسكري- المعلوم علي الأقل- بين الحرس الثوري الإيراني و تيار عرف"بالتيار الشيعي" داخل النظام السوداني ، و الذي يعتبر المصدر الأول في صناعة القرار و تدوير الكل السوداني إن تجسد في خارجيته أو داخليته أو إقتصاده أو حربه أو إعلامه أو فساده أو حتي في إعلان موته، كما يحسب هذا التيار علي أنه تيار"البابا" السوداني نفسه. و ضمن سياق هذه التداعيات نجد أن أهمها تلك الدعوة التي أطلقها قريب و نافذ من التيار" الشيعي" الحاكم و عبر صحفية"الإنتباهة"و التي تحسب علي أنها المعبر عن القصر الرسمي بل عن السودان الخفي و المخطط له و الذي يخطط إليه ليل نهار فيما يراد له أن يكون عكس ما هو كائن ، حيث دعا كما نورده حرفيا و بين مزدوجتين " .... إلي حليف قوي، سنفيد كثيرا من إقامة قاعدة في البحر الأحمر تمنحه موقعا أهم و أخطر في أهم منطقة في العالم يتهافت عليها الكبار و يطمعون في موطىء قدم يمنحهم وجودا فاعلا في مياهها و أراضيها...و يضيف، إذا كانت روسيا تمتلك قاعدة عسكرية في طرطوس فإن بورتسودان أكثر أهمية وأعظم من حيث الموقع الإستراتيجي ومن شأن الكبار أن يتهافتوا عليها لإقامة قاعدة عسكرية...إلخ"، و تأتي هذه الدعوة في سياق تمرين و قياس توجهات الرأي العام السوداني لإعداده و تجهيزه لإستقبال هكذا أمر والذي ربما وصل إلي مراحل جد متقدمة في أروقة الحكم السوداني تجاوزت النظري فيه إلي إقرار التطبيق والتنفيذ ، و علي الأرجح أن تكون قاعدة إيرانية، و ما يعزز هذا الإفتراض هو إستقبال ميناء بورتسودان البحري و بعد يومين أو ثلاثة من عملية تدمير مصنع اليرموك بارجيتين حربيتين إيرانيتين ودون علم وزارة الخارجية السودانية حسب ما أكده وزير الخارجية نفسه في برنامج تلفزيوني وهو الشيء الذي يعكس هيمنة التيار الشيعي علي مفاصل الحكم و إقصاء تام و متعمد لأجهزة مؤسسات السيادة في الدولة كوزارة الخارجية و آخريات، هذا فضلا عن تصريحات المسؤوليين السودانيين والتي جاءت متضاربة و مرتبكة و أخري مفسرة بإيحاءات غير مباشرة تؤشر إلي أن هناك أمر ما سوف يقع، أو ثمة أمر ما لا نستطيع البوح به كما توحي تلكم الإشارات السياسية !!. سيادة " البابا" لا الدولة !! ما سبق يشكل وحدة متكاملة لقراءة واحدة لا تتعلق بماهية مبدأ السيادة الوطنية السودانية و لا بركائز حمايتها و لا بإنتهاك السيادة السودانية الذي وقع كثيرا خلال المسيرة الربع قرنية الحمراء للحكم السوداني ، و لكن بالمقابل هي دعوي ترتكز علي توظيف الخطأ و العجز السياسيين في حماية السيادة الوطنية و التي تلاعبت بها الدولة و وضعتها محلا لصراع إيراني / إسرائيلي لتصفية صراعات و مراكز نفوذ محلية و إقليمية و دولية لأجل تعزيز السيطرة العسكرية الداخلية للنظام عبر الخارجي و التقليل من خطر المهددات العسكرية الداخلية التي تحوم حول هرم النظام نفسه و التي باتت تشكل لها العقبة الأهم لأنها تقطع طريق طموحاتها المرسومة في الحاضر و المستقبل، و تأتي هذه النقطة بعدما تأكد لها بشكل لا يقبل الشك أن نذر هذه المواجهة واقعة و في العظم السوداني ، و هذا يوضح ولوج بعض أطراف الدولة لأي مستنقع تدفع بنتائج تكون ناتج قيمتها السياسية النهائية عدم سقوط تمركز التسلط السوداني في شكله التاريخي أو الراهن، و بالتالي ليس بغريب التفكير بالعمل علي الشرعنة لتواجد قاعدة عسكرية أجنبية في السودان و بتوظيف عجز الدولة علي حماية مبدأ السيادة أو ربما حتي الإتفاق مع الجهة المعتدية – بعدما تسربت تقارير نشرت في صحف الخرطوم تتحدث عن عملية تعاون بين الجهات المنفذة و بعض أجهزة وتيارات داخل المنظومة الحاكمة و التي سميت ب" الإختراق لتنفيذ الهجوم و من ثم القياس و البناء عليه - مع الإشارة علي أن مبدأ السيادة نفسه لا يحمل رغم "قداسته" في القانون الدولي أي دلالة و لا معني في ثقافة نمط الحكم القائم، لأن السائد هو اللاأخلاق في كل شيء حمله أو يحمله أو ما هو مرتقب منه علي ضوء مشروع الحكم القائم ، و هو الأمر الذي يكشف بجلاء موجهات خارطة القيم السياسية التي تستند إليها المجموعة الحاكمة في السودان، كما أن هذه الشرعنة القائمة علي إستجلاب الأجنبي لحماية " السيادة" و التي تساوي سياسيا " الكرسي" تعطي أيضا قوي المعارضة المسلحة مع الرفعة في شرعية و مشروعية واقعها درجة قانونية و دولية مبررة واقعا و قانونا و إنسانيا لطلب التدخل الأجنبي لحماية ساكنتهم التي ما إنفكت تمارس عليها نفس السلطة كل الأفعال التي تمنعها القوانين الدولية والوطنية و الشرائع السماوية من إبادات و تجويع و طرد و ذبح يومي .... إلخ، إنها معادلة "شرعنة"الأجنبي حكوميا لحماية سلطة "السيادة" و ليس سيادة الدولة التي تؤول إلي الشعب السوداني صاحب السيادة الفعلية و الذي تم إلغاؤه بعدما كان يمثل ركن من أركان الدولة حتي وقت قريب لتصبح الدولة مركبة من عنصرين و هما إقليم تم تقطيعه و تقسيمه عمدا،و سلطة دون شعب، و الأخيرة نقطة جديرة بالبحث لعلماء القانون الدولي و العلاقات الدولية و العلماء الباحثين في شأن تطور المجتمعات الإنسانية، حيث فيها تجاوز السودان كلاسكية الدول و تعريفاتها القديمة ليحرز المرتبة الأولي في إلغاء مفهوم الشعب مضافا إليها مراتب أخري منجزة و معلنة من قبل.إنها ظاهرة سودانية بإمتياز!! إن المؤكد و في هذه الساعة من التاريخ ، أن أزمة الدولة السودانية تجاوزت معني الأزمة و لكنها أيضا لم تعد هي الأخري عبارة طلاسم أو حروف هيروغليفية يصعب فكها، كما لا تحلها تواجد قاعدة عسكرية في السودان لحماية "البابا " و الكرادلة المحيطين به ولا تدخل دولي لحماية المدنيين من جراء إنحراف البابا و كرادلته، و إنما الأزمة باتت أكثر تشخيصا و تدقيقا وهي محددة وفق سيناريوهات عديدة و في مبدأ واحد و حصري و هو إسقاط النظام القائم كمدخل لإعادة هيكلة الدولة و صياغتها من جديد عبر مشروع وطني متفق عليه بين كل شركاء الشأن السوداني، و مبدأ الإسقاط هذا هو المتفق عليه سياسيا علي الأقل بين أطراف كثيرة من المجتمع السياسي الديمقراطي السوداني و أجهزة عسكرية و أمنية زائدا شخصيات سياسية و حزبية عاملة و مشاركة حتي مع الداخل الحكومي نفسه و كذا العديد من القوي المدنية والشباب والمرآة والنقابات رغم حالة الإحتقان المجتمعي و السياسي و الإستقطابات الحادة خلال العشرية الأخيرة من الحكم ، و مع ذلك تعتبر هذه النسبة رصيد جد هام و نقلة نوعية في نسبة تقترب إلي الثلثين من المجموع الكلي و هي نسبة بالمقاييس السياسية كافية إلي حد كبير دون أن ننسي الأصوات الصامتة- ليس علي صمت الإنتباهة- وتلك المحايدة و المراقبة و المترددة، و يأتي هذا الإجماع النسبي رغم الهوة الفنية حول مفهوم آلية الإسقاط و كيفيته، و لكن بعيدا عن هذا الجدل نقول أن مبدأ إسقاط النظام لا يأتي هذه المرة بإعادة إنتاج التاريخ السوداني عبر ثورتي إكتوبر و إبريل أو من شاكلة الأدوات المرنة، و رغم أهمية ذلك و ضرورته بإعتباره الخيار المثالي و الأفضل إلا أنه مع إنعدام المثالية في تضاريس اللعبة السودانية الحالية نعتقد أن مؤشرات إسقاط النظام فرضت هذه المرة علي تكون قاسية في هذا المفصل من التاريخ السوداني و التي تفيد كذلك بأن الثمن فيه سوف يكون غاليا و عاليا و مكلفا و هو ثمن ربما يساوي ثمن تغيير مفاصل حركية التاريخ السوداني لنقله من حالة الإنحطاط والتي تعاد عبر لولبية مستمرة و معروفة إلي منظومة العقلانية والمواءمة حتي و إن لم تكن الأخيرة متوفرة من قبل بإعتبارها قيم يحتاجها المشهد السوداني و هو المشهد الذي يتم صناعته و إعادة صناعته و علي الدوام في الخرطوم، لتبقي الأخيرة مفصل أساسي لصناعة هذا التغيير بل معنية بالدرجة الأولي و إنها الغاية المحددة والتي تبرر فيها الوسيلة أو الوسائل ، و يأتي هذا بالرغم من أنها قاعدة ميكافيلية قد لا تعجب بعض التيارات التي تمتهن و تتعاطي السياسة ، إنها روما " نيرون" المرتقبة كما يصورها روائي سوداني، و علي أن لا تتجاوزهذه المهمة الوطنية العام 2013 كسقف زمني إفتراضي و ليس عسكري كما يقول قائل . [email protected]