كان مارتن نيومولر قسيساً بروتستانياً و كان من اصحاب الضمير الذين رفضوا الحرب - كل اشكال الحرب - و عمل لآخر رمق من اجل ان يري عالماً خلواً من أسلحة الدمار. كتب نيومولر أرجوزته المعروفة " عندما أتوا لاول مره......" First They Came...."والتي أخذت عدة اشكال، كما رواها في محاضراته المتعددة، او كما رويت عنه في استشهادات البعض بأعماله. الأرجوزة في بعض مقاطعها تقرا كما يلي: "عندما أتوا لاول مرة، (قاصدين) الشيوعيين، لم انبس ببنت شفة.... لأنني لست شيوعياً ومن ثم أتوا (قاصدين) الاشتراكيين.. ولم اقل شيئاً... لأنني لست اشتراكياً ومن ثم أتوا للنقابات... و لم اقل شيئاً لأنني لست بنقابي ومن ثم أتوا (قاصدين) اليهود و لم اقل شيئاً لأنني لست بيهودي و (اخيراً) قصدوني... و لحظتها لم يبق احد ليدافع عني" لم يكن نيومولر قسيساً ورعاً و ذو ضمير حي في صباه. فقد كان قومياً المانياً شديد الإعجاب بالفوهرر و بحزبه النازي. و قد عمل في بواكير عمره في البحرية النازية و منح وسام الصليب الحديدي من الدرجة الاولي لتفانيه في خدمة (وطنه). احتج مارتن نيومولر مرة واحدة علي سوء معاملة ( مواطنيه) من اليهود الألمان حين بدا النازيون ترحيلهم في عملية " الحل الابدي". و فجأة قلب له رفاق الأمس ظهر المجن، و أمروا بترحيله هو و ( مواطنيه الألمان) الذين دافع عنهم. لقد تم ترحيله في عام 1937 اولاً الي ساشسينهوزين و منها الي داشاو، حيث نجا من الموت بأعجوبة الي ان تم اطلاق سراحه هو واصدقائه بعد تحرير المانيا في عام 1945. أتي هؤلاء الأبالسة من حيث أتوا.... لا فرق..فهم هنا.. معنا في قيامتنا الراهنة قالوا: لنأخذ السلطة، كل السلطة و نلقي بفتاتها لمن يتضورون جوعاً لها... حتي يكونوا لنا تابعين قالوا: لنحتكر الثروة، كل الثروة، و ونجيرها حتي ياتينا الجميع، عن يد، و هم صاغرون قالوا: لنأخذ العرض و الارض.... نقتل رجالهم، و نستحيي نساءهم، فان اردنا منهن وطراً، اخذناهن، من حجور أمهاتهن، من مخادع داخلياتهن، او من قاعات دراستهن، لا فرق، فبيدنا كل السلطان، و القضاة والزناة و الوشاة والرشاة و الحكام. و هم قوم شاء، شئت، او أغنام. سيمشون و يماشون و يذعنون و يخنعون. قالوا: لنكذب، و نتحري الكذب... فهؤلاء القوم غنم سارحون.... نحن نمتلك الحق، كل الحق، في القول والفعل والفتوي و النجوي...و لسنا بمساءلين و كان مشوار العنف الاعمي و قدر الآلاف من شرفاء بلادي ان يستقبلوا الموت بصدور عارية الا من كلمة الشهادة او رسم الصليب القتل والسحل والتشريد .... امتهان الكرامة و التجويع القسري.... و حرائر بلادي، اللائي خرجن - بعضهن لاول مرة - لسوق " الله اكبر" ( الحقيقية) او ( القديمة) طاردوهن مرة و اخري.... ستات الفطور، ستات الشاي.... و (بنات الجامعة) اللائي عليهن ان يغسلن ملابس المرفهين، الذين سرقوا (حق) الجامعة في سعيهم لأكل مال السحت، فالذي رزقه من حلال لا يقبل السخرة لكرائم الرجال. و انطلق المسعورون والموتورون و الساقطون و الازلام.... منهم من احرق كتب " النصاري" و نسي ان الدرجات التي يتشدق بها هي درجات النصاري، و العلم الذي ظن انه اكتنزه، هو علم النصاري واليهود، و الاعجب انهم منحوه إياه، عن رضا، و لم يتبع ملتهم. و لكن يتلذذ بقراءة تلك الآيات للبسطاء منا، و هي محكمات و ام الكتاب، تلعنهم بعدد حروفها و كلماتها. و احرقوا القري و وروعوا الآمنين .... باسم الجهاد وباسم الدين و كان الجنوب... و جبال النوبة... و دارفور... و جبال النوبة مرة اخري... و دارفور... و النيل الأزرق.... و الشرق... و المناصير..... و الجزيرة ... و كل بلاد السودان. بين كل هذه الاشياء، خيط رفيع. فالمجرم واحد و الجريمة تتبدل أشكالها و أماكنها و مواقيتها ... و لكن تظل واحدة هي قتل النفس التي حرم الله الا بالحق. لان المسارح مختلفة، ظل المجرم يبيع بضاعته الكاسدة في كل سوق و وجد من ابناء المناطق المختلفة من زين لهم فتات ما القي به اليهم فبلعوا ذممهم و غضوا الطرف. والان؛ بعد ان عجزوا عن سحل الجميع، و قتل الجميع، و كسر شوكة الجميع؛ اتجهوا للاغتيالات الفردية... و في خسة و جبن وعدم مروءة يحسدهم عليها الذئب، اختاروا ضحاياهم بعناية.... لانهم اقلنا باساً و أبعدنا عن العنف: طلاب المدارس في نيالا... و الجامعات في الخرطوم او الجزيرة... سحلوهم... بدم بارد.... و القوهم في اليم، او في قبر جماعي... او في حفرة قمامة خلف بيوت الأشباح؛ لا فرق. قتلوهم ... و غسلوا اياديهم ... و ربما تذكر احدهم انه لم يصل العشاء.... فذهب و توضأ و صلي... و لربما تبادل نكتة او مزحةً مع أعوانه في الجريمة... لربما قبل أطفاله و وضعهم في أسرتهم و قرا أية الكرسي ( ليحوطهم) بها من كل شر... فهو من قبل و من بعد، قاتل، مخاتل... و ساحل حقير.... لا سنة له و لا فرض و لا ضمير. يا ابناء و بنات وطني؛ هاهم إخوتكم، غدر بهم اخرون هم ايضاً منكم.... لقد طال صمتكم.... طال صمتكم.... و طال، ارفعوا أصواتكم و اصدعوا بالحق.... فلو كان ما حدث لهم قد حدث لكم، الا تودون لو انهم قالوا كلمة حق نصرة لكم؟؟ و انني لاخشي ان يجئ يوم " و ياتي هؤلاء يقصدونكم.." ثم لا تجدون من يرفع عقيرته دفاعاً عنكم.