سيدة سودانية أخرجتها الحرب من بيتها فاتخذت من معسكر كلمة بجنوب دارفور بيتا لها ولأسرتها، كان ابنها الصادق يعقوب يجلس لإمتحان الشهادة السودانية فتخرج فجرا تحتطب لتوفر له الجاز الذي يضيء مصباح المذاكرة، رغم الضنك كان قلب الصادق معلق بالثريا فاجتهد وحصل على نسبة 79' أدخلته الهندسة الزراعية بجامعة الجزيرة. يقول أصدقاؤه أنه حين جاءت لحظة سفره للجامعة أقاموا له حفل شاي جمعوا فيه مساهمات ليتمكن من شراء تذكرة السفر للجامعة. والدة الصادق وهي الآن في معسكرٍ للنازحين لا تدري كنه ما حدث، لكن الجدل الذي يدور حول مقتل أربعة طلاب بجامعة الجزيرة إثر اعتصامات طالبوا فيها بإعفائهم من الرسوم الدراسية يدور حول محورين: كيف مات الصادق ورفاقه وهل كانوا يستحقون الإعفاء من الرسوم أم لا؟ . عن كيفية موتهم فإن الأمر أصبح موكولا للجنة التحقيق التي كونها وزير العدل لكن ما يستحق التوقف عنده هو التخبط الذي صاحب تصريحات الجهات ذات الصلة بالحادثة، الدكتور محمد السنوسي نائب مدير الجامعة قال أنهم غرقوا وفقاً لتقرير المشرحة في حين لم يستبعد رئيس اتحاد الطلاب أن تكون (ضربتهم بردة) وهي نوع من الأسماك تصعق بالشحنة الكهربائية التي تخزنها في جسدها، لكن سكان المناطق حول الترع في الجزيرة يعلمون أن سمك البرد لا يعيش في الترع، لذلك فسيناريو موتهم يكون كالتالي: قرروا الإنتحار الجماعي لأن الجامعة رفضت دفع الرسوم، يُقرأ ذلك مع الطموح الذي دفعهم للتغلب على ظروف اللجوء والفقر والضنك فتفوقوا والتحقوا بالجامعة. السيناريو الثاني أنهم اختلفوا حول شيء ما لا يدري كنهه إلا الله، فبعد أن تمت مطاردتهم خارج الجامعة توجهوا للترعة وكل منهم أغرق الآخر حتى جاء الدور على الرابع فانتحر، أو ربما قررت بردة تجريب حياة الترع فصادف أن شرع هؤلاء الشباب في الإستحمام بعد مشوار من المطاردة من جهات مختلفة، وأظن ان هذه السيناريوهات الثلاثة لا تحترم عقل أحد. السيناريو الرابع أنهم أُغرقوا بفعل فاعل طاردهم خارج الجامعة وتصيدهم واحداً واحداً فقتلهم ثم ألقى بجثثهم في الترعة أو قتلهم غرقاً. بالنسبة لأحقية هؤلاء الطلاب للإعفاء من الرسوم الدراسية فإن إتفاقية الدوحة لعام 2010 م تنص في الفصل الثاني المادة 14 الجامعات والمؤسسات التعليمية العليا التي تديرها الدولة على (92 : يعفى جميع الطلبة أبناء النازحين واللاجئين الذين يتم قبولهم في الجامعات القومية من المصاريف الدراسية لمدة خمسة سنوات) تبدأ الخمس سنوات من 2010 تاريخ توقيع الإتفاق، نص إتفاق الدوحة يوضح بجلاء من هم الطلبة المعفيون من الرسوم الدراسية، فإما أن يكون الطالب من أسرة نازحة أو لاجئة ويحمل بطاقة أو شهادة توضح من أي معسكرٍ جاء أو لا، لا لبس في النص برغم تصريح احد متحدثي حركة التحرير والعدالة الموقعة على إتفاق الدوحة أن الإعفاء للرسوم تحدده لجنة واللجنة لم تقم بعملها بعد مما يدعو للحيرة، فإما أن الحركة لم تقرأ الإتفاق الذي وقعته أو أنها قرأته لكن هناك شبهة فساد في توزيع فرص الدراسة المجانية لذلك تم تكوين لجنة لتنفيذ نصً واضح كوضوح الشمس. ثم يتعقد الأمر أكثر فيصدر الدكتور الحاج آدم يوسف نائب رئيس الجمهورية قراراً بإعفاء طلاب دارفور المقبولين في الجامعات في العام 2012 وتكوين لجنة (جديدة) غير اللجنة الموجودة أصلاً، للنظر في أمر طلاب 2011 م، (يقول موجعو راسو يربطو ليهو كراعو) كما يقول المثل فالطلبة أصحاب المشكلة التي قُتل بسببها أربعة طلاب وآخرين لا زالوا مفقودين تعود لطلاب العام الدراسي 2011 م وهم أصلاً ووفقاً لإتفاق الدوحة معفيون من الرسوم ولا يحتاجون لقرارات جديدة لا ينفذها أحد ولا للجان لا تعمل. ثم أن هناك قراراً رئاسياً آخر من رئيس الجمهورية صدر في العام 2005 م نص على إعفاء طلاب دارفور بالجامعات من الرسوم لكن لم ينفذه أحد. هل كان يعلم الطلاب القتلى أنهم يستحقون الإعفاء؟ نعم، لذلك أعلنوا الإعتصام السلمي بالجامعة بعد أن لم يجدوا إجابةً واضحة في السلطة الإنتقالية ووزارة التربية ولا من إدارة الجامعة فاعتصموا طلباً للحل. هل الإعتصام محرمٌ في جامعة الجزيرة وفقاً لقانون معلوم لدى الطلاب؟ لا أعلم ولا أظن لكن حتى إن كان محرما فلا يستدعي الأمر الإستغاثة بالشرطة لحسم أمر هو من صميم عمل إدارة الجامعة، ما الدور الذي تقوم به إدارة الجامعة إن كانت تعجز عن الوصول لحلٍ مع طلابها حول أمرٍ حسمته إتفاقية من 106 صفحة وصدر حوله أمر رئاسي من رئيس الجمهورية شخصياً. هل الموت جزاءا مستحقا للإعتصام والمطالبة بالحق؟ لا أدري رأي مدير جامعة الجزيرة لكنه قال أنه استدعى الشرطة لأن دورها حفظ الأمن، ما الذي زعزع الأمن؟ زعزعه تقصير إدارة الجامعة في القيام بعملها. ثم تعالوا لنسألكم: أين الموقعين على إتفاق الدوحة مما يجري، هل إكتفوا فقط بحديث ممثلهم الذي قال غلطان المرحوم؟. تابعت هبةً قوية للدكتور التجاني السيسي رئيس حركة التحرير والعدالة الموقعة على اتفاق الدوحة وبحر أبو قردة الأمين العام للحركة يوم الجمعة الماضي عندما هاجمت قوات حكومية قواتهم قرب الفاشر وقتلت اثنين من جنودهم وصلت الغضبة أن وصف السيسي الحكومة بالكارثة والكاذبة، وهدد أبو قردة بأن خياراتهم مفتوحة إن لم تقبل الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق من اليونيميد، وهنا يبرز سؤال هل توقع حركات دارفور إتفاقات من أجل أعضائها وجنودها فقط أم من أجل كل أهل دارفور، طلاب قتلوا لأن الطرف الحكومي لم يف بما يليه من الإتفاق فلم يُعف الطلاب من الرسوم، أليس هذا خرقا يستدعي هبة لاجل هؤلاء الطلاب، هل الإتفاق هو مخصصات فقط لاعضاء الحركة وجنودها وما عداهم ياكلوا نارهم وحدهم، أين يقع انسان دارفور من اولويات السلطة، وإن كان فعلا الطلاب لا يستحقون الإعفاء كما قال متحدث الحركة أين دور السلطة الإقليمية في توعية المواطنين بمن يستحق ومن لا يستحق حتى لا يقطع الصادق يعقوب المسافة من معسكر كلمة لمدني ثم يكتشف أنه ليس نازحا ولا يستحق الإعفاء؟ . والدة الشهيد الصادق يعقوب لا أدري هل علمت ام لا أن قلبه الذي تعلق بالثريا قد توقف، وأن قاتله ليس معروفا، وأن لجنةً كونها وزير العدل لا يدري أحد أهي لتلجين القضية وامتصاص غضب الشارع أم أنها لأجل الحقيقة، أهي علمت أنه مات ميتةً بشعة ستسطر بأحرف من دماء في دفاتر الحركة الطلابية وتاريخ السودان؟. العزاء للسيدة السودانية التي احتطبت كي ينجح ابنها لكنه يرقد الآن في قبر غريبا كما جاء، والعزاء لكل امهات الشهداء، والدولة التي يعاقب فيها على الإعتصام بالقتل هي دولة لا تستحق البقاء. ' كاتبة سودانية مقيمة في ويلز القدس العربي