"تقسيم مصر" عبارة تتردد على ألسنة النخب المصرية الوطنية تحذيرا من الدستور الجديد، وهو تحذير في محله بالنظر إلى تكوين المجتمع المصري في لحظته الراهنة، باعتباره الدستور الجديد يؤسس لدولة دينية طائفية عنصرية بامتياز، متجاهلا نسبة تتجاوز 12% من الأقباط، ونسبة تصل تقريبا إلى 15% من القوى المثقفة والمفكرة واللبرالية والعلمانية وغيرها، لتأتي بعد ذلك الأغلبية الأمية والفقيرة التي يتجاوز مجموعها 55% وترضخ تحت وطأة سلطة القهر باسم الدين حيث يتسلط عليها شيوخ وأئمة الجماعات الدينية بآليات الكفر وعذاب الآخرة وعذاب القبر والجنة والنار، وتشكل النسبة الباقية المتاجرين والانتهازيين والآكلين على كل الموائد ممن لا دين لهم إلا شبق السلطة والمال والتأله، وهؤلاء هم من يشكلون في مجملهم جماعات وتيارات الإسلام السياسي قيادات وأعضاء، وهم أيضا من يسيطرون على نسبة تزيد عن ال 60% من الأميين 36% والفقراء والبسطاء 25.2% باسم آيات الله وسنة نبيه العظيم، ومن خلال استغلال واضح ومتاجرة جلية باسم الدين. هذه الأغلبية التي تستحوذ عليها جماعات وتيارات الإسلام السياسي باسم آيات الله وسنة نبيه، مغلوب على أمرها حيث تمزقها الحاجة ويغرقها الفقر والجوع في دولة انهار اقتصادها، حيث تؤكد مؤشرات البنية التحتية إلى تهالكها سواء في الصناعة والسياحة والزراعة والصحة أو التعليم أو الطرق ووسائل النقل والمواصلات أو الاتصالات، في ظل تراجع الاقتصاد تراجع من 6% إلى 1.8% منذ انطلاق الثورة، وارتفاع معدلات البطالة بنسبة 12.6% واستمرار عجز الموازنة وقفزه من 168 مليار جنيه مصري في موازنة 2011 - 2012 إلى 214 مليارا في الموازنة الحالية (2012 - 2013). وفي ظل غيبة الدولة أو بمعنى أدق تواطؤها تأتمر هذه الأغلبية بأمر أمراء ومرشدين وشيوخ ينتشرون في الأحياء والقرى والنجوع من خلال زوايا ومساجد وجوامع وأيضا زيارات مفاجئة للبيوت والشقق، ويشكلون عصابات بلحاهم وجلابيبهم ووجوههم المكفهرة وما يرددونه من آيات وأحاديث. ويستطيع أي متابع لما يجري على الأرض في مصر الآن أن يرى تحولات تؤشر إلى بداية تحول مصر إلى دولة دينية عنصرية بامتياز، فعلى سبيل المثال لا الحصر أطلق الكثير من الباعة الجائلين والشحاذين وأصحاب محال التجزئة والموظفين لحاهم وارتدت البائعات والشحاذات والموظفات النقاب، وأصبح الجميع رجال دين وفقهاء، يتحدثون باسم الله، يحرمون ويحللون ويكفرون ويدخلون الجنة والنار حسب ما يتراءى لهم. هذا في الوقت الذي يتوارى فيه الأقباط واللبراليون والعلمانيون والمثقفون في الشارع صمتا أو تجاهلا مكتفين بسلاح السلمية، حيث يتحول الحوار مع أصحاب اللحى والمنتمين لجماعات الإسلام السياسي عامة إلى تشابك بالأيدي وعنف وتهديد بالقتل، وقد أحجم الكثيرون من المسلمين اللبراليين والعلمانيين والمثقفين عن الصلاة في المساجد بعد أن تحولت المنابر إلى أبواق تكفير وإحلال دم. لذا فإن تعويل البعض على ثورة جياع والفقراء أمر مستبعد، فالتهديد بالله وعقابه، مع إحكام عصابات جماعات تيارات الإسلام السياسي قبضتها على الأحياء والقرى والنجوع من خلال أمرائها ومرشديها وشيوخها، وتبريرها للوضع لانهيار الوضع الاقتصادي بفساد وخيانة النخب المعارضة وعدم استقرار البلاد، يجعل أمر ثورة هؤلاء لتأمين حياة كريمة لأنفسهم أمر غاية صعب، حيث يدركون أن الخروج يعني الكفر ومن ثم إحلال دمهم على يد هذه الجماعات. البعد الأخطر فيما يتعلق بهؤلاء هو استغلالهم كسلاح في الحرب على الأقباط والمعارضين من اللبراليين والعلمانيين والمثقفين والمفكرين وتوجيههم للنيل منهم سواء بترويعهم بالسب والقذف والاتهام بالخيانة والعمالة والكفر أو التحرش بالبصق والضرب الخفيف باليد أو العصي أو إرهابهم بالعنف والتهديد بالقتل، وهذا ما بدأ يجري بالفعل على مرأى ومسمع الجميع في الشارع المصري. إذن التقسيم يجري بالفعل لبنيان المجتمع المصري، الأمر الذي ينذر بالتقسيم الفعلي على الأرض، أي تتحول مصر لدويلات شمال ووسط وجنوب والنوبة، وهو أمر في ظل خطابات التفرقة والفتنة التي تتبناها بالقوة واستعراض العضلات جماعات تيارات الإسلام السياسي ليس بمستبعد على الإطلاق، فصمت الأقباط وتجاهلهم وسلميتهم إزاء ما يجري لا يعني مطلقا ضعفهم، وإذا زادت الضغوط والأخطار وتم تهديد وجودهم سواء بالإرهاب اللفظي أو البدني فلا مناص أمامهم من المطالبة بدولة مستقلة، وليس شرطا أن تأتي المطالبة من الداخل، حيث سيلعب أقباط الخارج الدور الأبرز، وساعتها سوف يلتمس المجتمع الدولي لهم العذر، وهو الأمر الذي يمكن أن تحذوه النوبة ومن بعدها القوى المضطهدة الأخرى. إن الدستور الجديد يفرض التقسيم أمرا واقعا سواء كان هذا التقسيم للأرض أو للشعب، مما يهيئ لاضطرابات واسعة قد تستمر عقودا من الزمن، حيث سيتم إسقاط المزيد من مؤسسات الدولة التي تعاني الآن من الانقسام والتمزق، مما يعنى المزيد من الانهيار للدولة المصرية. الإشكالية أن ذلك يجري في ظل صمت المؤسسة العسكرية التي ينقسم الشعب المصري بشأن موقفها الصامت والمتجاهل لما يجري، فيشيع الكثيرون عن انتماء قياداتها أو تعاطفهم مع جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة، فيما يرى آخرون أنها أخذت مستحقاتها كاملة في الدستور ومن ثم من صالحها تمرير الدستور وحامية الحكم الإخواني ومكتب الإرشاد، في الوقت الذي يؤكد آخرون أيضا على أن ما واجهته المؤسسة خلال المرحلة الانتقالية من اتهامات أسأت إليها جعلها تنأى بنفسها وترفض التدخل، لكن إجمال الآراء وخلاصتها ترى في موقفها المؤسسة العسكرية موقفا متخاذلا واستسلاميا، وأنها ينبغي أن تتجاهل أو تتناسى ما وجه إليها من إساءة وتتدخل لحماية الدولة المصرية من التقسيم والانقسام، وأن واجبها الوطني يحتم عليها مقاومة مسخ الهوية المدنية الحضارية والحفاظ على وحدتها الوطنية ووحدة أراضيها. محمد الحمامصي ميدل ايست أونلاين