زحفت نساء مصر على لجان الاستفتاء على الدستور في مشهد روّع جماعات وتيارات الإسلام السياسي وقلب ميزان توقعاتها، حيث أكد صدق توعدهن للرئيس وجماعته والذي سجلنه على جدران قصر الاتحادية بعبارة "نون النسوة حتفشخك يا مرسي"، وإصرارهن على رفض هذا الدستور الذي لا يكبلهن وحدهن ويعود بهن إلى الوراء ويجعل منهن جوار في حرملك "سي السيد" بل بالوطن كله. الزحف الكثيف للنساء لم يقتصر على طبقة اجتماعية أو مرحلة عمرية بعينها، حيث شمل كافة الطبقات الاجتماعية والمراحل العمرية، فرأين فتيات وسيدات وعجائز، حوامل وأمهات يحملن أطفالهن رضعا، يقفن في طوابير طويلة امتدت لعشرات الكيلومترات للإدلاء بأصواتهن. وتشكل النساء ثاني الكتل الانتخابية النوعية الكبرى في مصر بعد الرجال إذ يتجاوز عدد الناخبات المسجلات في جداول الاقتراع المصرية 23 مليون ناخبة، من بين نحو 51 مليون ناخب مسجلين في هذه الجداول وفق ما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات. وعلى الرغم من هذه الكتلة تبدو غير متجانسة ولا يمكن وضع خياراتها بمعزل عن خيارات المجتمع، فضلا عن انتشار الأمية بشقيها الجهل بالقراءة والكتابة "25%" وعدم إكمال التعليم الدراسي "40%" بين المصريات يعزز من شأن التأثير الديني، إلا أن كافة المؤشرات التي حملتها استطلاعات الرأي تؤكد أن الأغلبية النسائية ترفض الدستور كلية باعتباره يهدد أطيافها المختلفة من الموظفة والعاملة والفلاحة وربة البيت إلى المهندسة والمحامية والطبيبة وسيدة الأعمال وغيرهم. وأكد الإصرار النسائي الذي فاق كل التوقعات هذا الرفض، حيث خاضت النساء خلال فترات طويلة متعمدة انتظارا لدورهن في التصويت، معارك ضارية وصلت للاشتباك بالأيدي مع محاولات الأخوات المدسوسات في الطوابير من جماعات وتيارات الإسلام السياسي إقناعهن بالتصويت ب "نعم"، بل إنه تجرأن وهتفن على أبواب اللجان ضد الرئيس ومرشده وجماعته. وكشفت لقطات الفيديو عن قدرة صلبة على المواجهة، فقد هتفن "باطل باطل... دستور إخواني باطل"، "يسقط يسقط حكم المرشد" في مواجهة قيادات الإخوان المسلمين مثل المهندس خيرت الشاطر والمحامي صبحي صالح في لجان الاستفتاء، بل تجاوز الهتاف إلى السب والقذف من قبل بعض النساء، اللاتي سببن الشاطر وصبحي وطردوهما. كما قامت النساء بإفشال أكثر من محاولة لعرقلة تمكينهن من التصويت، حيث قطعت نساء الإسكندرية شارع سوريا اعتراضا على منعهن من دخول اللجان الخاصة بهن، وطردت سيدات في لجنة بمدينة نصر ملتح كان يدعو للتصويت ب "نعم"، واحتجت أخريات على غلق المقر الانتخابي بمدرسة ابن سينا بمصر الجديدة قبل الموعد المحدد، الأمر الذي أكد حجم الغضب والخوف والقلق من تمرير الدستور المشوه واستمرار حكم الرئيس وجماعته وأنصارهما. وفسرت ميرفت التلاوي رئيس المجلس القومي للمرأة هذا إصرار المصريات على رفض الدستور بأنهن غير مقتنعات به، ودللت عدم اقتناعهم، بأنهم "وقفوا لساعات طويلة في الاستفتاء، وأبلغوا عن كل التجاوزات التي واجهوها بإصرار شديد لأفراد الأمن". وأكدت "أن 309 من المخالفات والشكاوى التي رصدها المجلس القومي للمرأة قام بإرسالها إلى اللجنة العليا للانتخابات، ولكن لم يتلق رداً على تلك الشكاوى، كما لم تتم الإشارة إليها في أي من التصريحات الإعلامية الصادرة عن اللجنة". وعقب ظهور النتائج الأولية للاستفتاء والكشف المتواتر عن عمليات انتهاك وخلل وتزوير فاضح شابت الاستفتاء، دعت حركة "ثورة نساء مصر" بمشاركة كل النساء اللاتي يشعرن بعدم وجود قانون حقيقي يحميهن من الظلم ويحمي وجودهن ويحمى أطفالهن من الزواج المبكر في سن 9 سنوات، في تظاهرات مليونية الجمعة القادمة تنطلق إلى كل الميادين في محافظات مصر، وناشدت الحركة في بيان لها، طالبات المدارس والجامعات وربات البيوت والخادمات وعاملات المصانع والنظافة بالنزول للحصول على حقوقهن، وكل امرأة ومطلقه ويتيمة وموظفة بالنزول من أجل الدستور والحق في إثباته. وتكشف هذه الدعوة عن خوف المصريات وإحساسهن بالخطر على مستقبلهن ومستقبل أبنائهن، خاصة أن الدستور الجديد ينتقص من حريتهن ويؤسس لدولة القمع والاستبداد، ولم يتضمن نصوصا أو مواد أساسية تكفل حماية حقوق المرأة والطفل والأسرة في المجتمع، أو تلزم الدولة بالرعاية الاجتماعية والصحية والاقتصادية لهم. ماذا ينتظر نساء مصر تحت حكم الإخوان؟