أقل من ثلاثة أشهر، هو ما تبقى على موعد الاستفتاء المقرر، لتحديد مصير جنوب السودان، كما نصت عليه اتفاقية السلام بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية عام 2005، ورغم ان صناديق الاقتراع لم تستقبل المصوتين، ولم يجر فرز ومعرفة مواقف المقترعين، فان الكلمة الأكثر تداولا داخل السودان وخارجه، هي الانفصال. في الخارج كانت كلمة انفصال هاجس المتحدثين أمام مؤتمر القمة العربية الإفريقية التي عقدت في سرت الأسبوع الماضي، ومع ان هذه القمة، أصدرت قرارا منفصلا عن الوضع في السودان تضمن التأكيد على احترام سيادة السودان ووحدة أراضيه، الا ان ذلك لم يمنع اصواتا من التحذير من عدوى انفصال جنوب السودان إلى باقي الدول الإفريقية، على حد وصف العقيد الليبي معمر القذافي. نعم كلمة انفصال جنوب السودان عن شماله، الأكثر شيوعا هذه الأيام في ملف معقد، تعود جذوره إلى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، ويخطئ من يظن ان الحديث عن الانفصال في أدبيات الساسة وخاصة في الجنوب وليدة اقتراب تنظيم الاستفتاء على تقرير المصير. لقد نصت اتفاقية السلام قبل خمس سنوات والتي يستند إليها الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب ، على الا يقوم الاستفتاء الا فيما عمل شريكا الحكم (المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية) على جعل خيار الوحدة جذابا، واذا كان الشمال ممثلا في المؤتمر الوطني متهما بعدم اتخاذ خطوات من شأنها جعل الوحدة جاذبه، فالسؤال وماذا قدم الجنوب ممثلا في الحركة الشعبية من اجل جعل الوحدة جاذبة ايضا؟ واذا كان رئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير قد فاجأ شركاءه في الحكم، والعالم بإعلانه الصريح قبل أيام انه سوف يصوت لصالح الانفصال، فان الموقف قد عبر الرجل عنه تلميحا في محطات سابقه عندما حاول في يناير الماضي وخلال تجمع في جوبا عاصمة الجنوب وبحضور الرئيس السوداني عمر البشير تقليل حدة المخاوف من احتمال أن يقود الاستفتاء في 9 يناير المقبل، إلى مواجهة عسكرية مع الشمال. وقبلها في نهاية أكتوبر 2009 قال سلفا كير في إحدى كنائس مدينة جوبا، موجها كلامه إلى الجنوبيين : (لديكم الفرصة للاختيار ما بين أن تكونوا أحرارا في وطنكم أو أن تكونوا مواطنين من الدرجة الثانية في بلد موحد). وإذا كان رئيس حكومة جنوب السودان دعا وفي تصريحاته الأخيرة إلى الانفصال بشكل صريح، مبررا موقفه بأنه لم (يتم القيام بأي عمل لجعل الوحدة جذابة)، فانه لم يسأل نفسه، ماذا قدم هو وحركته من اجل جعل الوحدة جاذبة، قبل ان يروج ل (طلاق سلمي) مع الشمال، رغم ان كافة المراقبين يعتقدون ان الانفصال سيفتح ابوابا للصراع والتناحر بين القبائل الجنوبية، قد تصل عند البعض إلى الدعوة للانفصال بين مناطق في الجنوب ذاته. فمنذ اللحظة الأولى لاتفاقية السلام التي أنهت عقدين من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، نظر الانفصاليون في الجنوب إلى تلك الاتفاقية على أنها آلية صممت للانفصال، وهناك خطوات كثيرة نفذتها حكومة الجنوب تشير إلى الاستعداد لمرحلة الانفصال ، بافتتاح عدد من مكاتب التمثيل والقنصليات في الخارج وإنشاء مصارف وتغيير المناهج التعليمية وتأسيس نواة قوات جوية وبحرية. لم يعمل الجنوبيون من اجل جعل الوحدة جاذبه، لان في نيتهم من الأساس الانفصال، حتي ولو عمل الشمال( عجين الفلاحة) على حد قول المثل المصري الدارج، فارادة الانفصال التي تتطابق مع رغبات دولية وإقليمية، غلبت على الساسة الجنوبيين، وبالتالي، تكون تصريحات سلفا كير ومساعديه، عن عدم تقديم الشمال ما يجعل من الوحدة الثمرة المحرمة المرغوبة، مجرد غطاء للسير في طريق، بيتوا النية والعزم على قطع خطواته. الانفصال الجاذب الفيحاء باختصار لنبك على السودان!! فيصل محمد المرزوقي تقسيم السودان قادم لا محالة، لأنه سيناريو تم الإعداد له منذ أمد بعيد، لعبت دول الغرب، والولايات المتحدة الأميركية، والكيان الصهيوني، والفاتيكان، الدور الأكبر والرئيس في هذا التقسيم، والمخزي أن يشترك في هذه المؤامرة بعض الدول العربية، خاصة تلك المجاورة للسودان!! دول عربية تعاونت على تقسيم السودان وتمزيقه، دول تدعي وقوفها مع الإجماع العربي والإسلامي، بينما هي في حقيقتها عميلة، تطعن بخنجر الغدر ظهر هذه الأمة وتمزق وحدتها! منها من سعت وبكل قوة لتدويل مشاكلها مع السودان، خاصة بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيسها، وقد وجهوا التهمة مباشرة إلى السودان بعد لحظات من وقوعها، ودون حتى محاولة معرفة من وراء هذه العملية! وذهبت إلى أبعد مما يتصوره الشقيق من شقيقه، والجار من جاره، وذلك بالمطالبة بفرض حصار اقتصادي على السودان، هذه المطالب كانت الغنيمة التي سال لها لعاب أعداء السودان وأعداء الأمة العربية والإسلامية، وهذا ما حدث، والذي انعكس بدوره على قدرات السودان الاقتصادية والعسكرية لاحقاً. لنبك على السودان المقسم من تواطؤ جيرانه العرب، ومعارضيه الحمقى، وتقاعس البقية الباقية عن مساعدته!! وإن كان هناك عزاء في مصابنا هذا، فعزاؤنا في قيادتنا القطرية المتمثلة في سمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني -حفظه الله- الذي وجه جهده لتعزيز لحمة هذه الأمة، وللإبقاء على ما تبقى للسودان، وعدم تفتيت جبهته الشمالية! فهنيئاً للشعب القطري ولهذه الأمة، بمثل هذه القيادة التي لا نراها إلا في مواطن الخير والإصلاح وصناعة السلام، في لبنان، وفي اليمن، والسودان، ناهيك عن موقفها المشرف لأهلنا في غزة الصامدة. [email protected] Email