لا السلطات الخليجية تقبلت وصول الأخوان إلى الحكم واستبطنت فيهم المكر والخداع السياسيين، ولا الإخوان ارتضوا بما يحكمون وكفوا أبصارهم عن غير حدودهم. بقلم: محمد دبارة نشرت صحيفة "القدس العربي" اللندنية مؤخرا مقالا تحدثت فيه عن "معركة دبلوماسية شرسة بين مصر الدكتور محمد مرسي ودول خليجية" على رأسها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وساقت فيه أمثلة عما اسمته "مسلسل الضربات تحت الحزام" بين حركة الإخوان المسلمين الحاكمة في مصر وبين الحكومات الخليجية وتحديدا المحور الإماراتي-السعودي، والذي أبدى معارضة صريحة لحكم الإخوان متهما إياهم إما بالتجسس (الإمارات) أو بمحاولة قلب أنظمة الحكم (السعودية). ولئن لم يتجه الأمر إلى حد الآن نحو القطيعة حيث مازالت الخطابات، على الأقل على المستوى الرسمي، ديبلوماسية ومجاملة في مجملها فأنه لا شيء يدل على عودة العلاقات إلى طبيعتها في المستقبل القريب وفي أحسن الحالات ربما تبقى في نفس درجات البرودة وفق الحد الأدنى من الأعراف الدبلوماسية. وفي الحقيقة فأن هذا التوتر في العلاقات ليس نتيجة لأسباب مباشرة بعينها بل يعود إلى الحذر الذي تبديه الدول الخليجية، باستثناء قطر، من حركة الاخوان المسلمين منذ أن كانت حركة سرية محظورة طوال 80 سنة لكن ما زاد في تعكير صفو العلاقات هو تحول شك الحكومات الخليجية إلى يقين من محاولات الإخوان مد نفوذهم منذ وصولهم إلى سدة الحكم . وهو أمر يبدو أنه لا يزعج "جماعة المرشد" كثيرا رغم أن دائرة الأصدقاء بدأت تضيق فيما قائمة الخصوم تتسع كل يوم. حتى إنهم لا يبدون أية نية جدية لنفي التهمة عنهم. ويعزو العديد من المحللين هذا التوتر إلى الخشية من تصاعد نفوذ الاخوان سواء فكريا كبديل لأنظمة الحكم أو ماديا من خلال توفير الدعم المادي واللوجيستي للحركات الإخوانية الخليجية، لذلك هم متهمون صراحة بتبني الفكر الإنقلابي الذي سيتحول إلى مشروع إذا لم يقع التصدي له مثلما صرح به وزير خارجية دولة الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان. ومما يزيد من قلق الحكومات الخليجية التحركات السرية المشبوهة للجماعة في المنطقة "واتجاههم نحو سبل تغيير الأنظمة الحاكمة في الخليج"و هو ما جاء حرفيا على لسان الفريق ضاحي خلفان قائد شرطة دبي لصحيفة "القبس" الكويتية والذي أضاف أن "لديه معلومات أن القادم هو جعل حكومات الخليج تملك ولا تحكم". يأتي هذا في وقت ألقت فيه السلطات الأمنية في الإمارات القبض على خلية تجاوز عدد أفرادها العشرة من كوادر الإخوان المصريين بتهمة التجسس وعقد لقاءات سرية مع إسلاميين محليين الهدف منها تغيير أنظمة الحكم ودعم التنظيم الأم في مصر ماديا وسياسيا. وليس الأمر حكرا على إخوان مصر فقط بل ينسحب كذلك على حزب حركة النهضة الحاكم في تونس والذي يعتبر الذراع الإخوانية في المغرب العربي والذي تشهد علاقاته بالخليج العربي برودا ترجمه الموقف الرسمي لدول مجلس التعاون الخليجي على لسان رئيس مجلسها الدكتور عبد اللطيف الزياني الذي استنكر تصريحات منسوبة لزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، نفاها لاحقا، متهما إياه بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس متمنيا أن لا تعكس الموقف الرسمي للحكومة التونسية. وقبل ذلك كان الإستقبال، الذي حظي به رئيس الحكومة التونسية وأمين عام حركة النهضة حمادي الجبالي خلال زيارته الرسمية إلى السعودية ، قد وصف "بالبارد" رغم حرصه على عدم المطالبة صراحة السلطات السعودية بتسليم الرئيس السابق بن علي اللاجئ إلى السعودية منذ الإطاحة به عقب الثورة التونسية. وحتى دعوته رجال الأعمال السعوديين إلى الإستثمار في تونس قوبلت بنوع من السخرية في بعض وسائل الإعلام السعودية. هذا التوتر يبدو أنه متجه نحو مزيد التصعيد وما خفي اليوم بفعل بروتوكولات السياسة والأعراف الدبلوماسية سينكشف غدا. فلا السلطات الخليجية تقبلت وصول الأخوان إلى الحكم واستبطنت فيهم المكر والخداع السياسيين، ولا الإخوان ارتضوا بما يحكمون وكفوا أبصارهم عن غير حدودهم. وفي جميع الأحوال فإن الأمور تسير نحو قطيعة نهائية إلا إذا حكم الجميع صوت العقل والحكمة وبادر الطرفان إلى تقديم إشارات حسن النية، ولم لا يكون الإخوان هم المبادرون حتى لا يضيق عليهم طوق العزلة بين معارضي الداخل ومعارضة الغرب المتوجس أصلا خيفة من حكم الإسلاميين. وعكس ذلك سيعتل جسد الأمة أكثر مما هو عليل، ولعلها تكون القاضية وحينها فقط سيندم الجميع حين لا ينفع الندم وسنبحث عن من "شبكها" لكي "يخلصها".. محمد دبارة