الخرطوم :صلاح الدين مصطفى الأورغ..استعمر المسارح والبيوت وانتهى من الكمنجة والفلوت! الأورغ آلة موسيقية ذات لوحة مفاتيح، شبيه بالبيانو، ويتم إنتاج الأصوات في الأورغ الكهربائي عن طريق دارات إلكترونية. تم صنع أول أورغ كهربائي في عام 1935 على يد الأمريكي لورنس هاموند الذي استخدم دارات كهربائية ومضخمات لإنتاج الأصوات والنغمات وتضخيمها. ويصنع الجسم الخارجي للأورغ الكهربائي من البلاستيك والخشب والمعدن، ويمكن إنتاج مجال أصوات واسع جداً بواسطة هذه الآلة... استخدم الأورغ الكهربائي بشكل كبير من قبل فرق الروك في الستينيات و ما بعدها.وفي السودان أصبحت هذه الآلة هي النجم الأوحد خاصة في حفلات الأعراس، وتخريج طلاب الجامعات.. في هذه المساحة نتناول تأثير الأورغ على العازفين والجمهور من النواحي الاقتصادية والفنية. ضجيج وصخب يقول الموسيقار محمد عجاج إن الأورغن من ناحية فنية له إمكانات صوتية عالية ،لكن الميكانيكية في الأصوات والآلات – كما اسماها –تفقد الموسيقى طعمها. ويرى عجاج أن الأورغن يحتاج إلى إمكانات وخيال واسع ويصف معظم عازفي هذه الآلة بفقدانهم للإحساس الفني الأمرالذي يؤدي للضجيج والصخب على حد وصفه. من الناحية الفنية يقول عجاج إن الأورغن له تأثير سلبي على ذوق الجماهير إلا إذا قام بالعزف عليه فنانون متخصصون في هذه الآلة مثل عمر القصاص، وسعد الطيب فهؤلاء يعطون المتلقي إحساس أوركسترا كاملة. تأثير انتشار الغناء بالأورغن على المستوى الاقتصادي واضح حسب تقدير محمد عجاج. ويقول إن الغناء بآلة واحدة فقط ،عطّل الكثير من العازفين وضايقهم في " أكل عيشهم". ويضيف :"بعض الفنانين تسببوا في هذا الواقع من أجل تخفيض تكلفة الحفل، والمخيف أن بعض عازفي الأورغن أصبحوا هم النجوم ولا يهم بعد ذلك من هو الفنان" ويرجع عجاج هذا الوضع إلى الفجوة الثقافية وعدم تواصل الأجيال. عازفون عطالى عازف الأورغ محمد عبد اللطيف يعترف صراحة بالتأثير المباشر لآلة الأورغ على بقية العازفين، ويقول إن الحفلات أصبحت تقوم بالأورغن وحده الأمر الذي جعل بقية العازفين بدون شغل. ويقول إن قوة إيقاعات الأورغن جعلته النجم الأول في حفلات الأعراس التي تقوم على الرقص لا الاستماع. ويقول سامي محمد أحمد عازف أوكورديون، إن الغناء بالأورغن ليس من صالح بقية العازفين لكنه مقبول من المواطنين لأنه يوفر لصاحب الحفل مبلغاً كبيراً ونفس الأمر ينطبق على الفنانين "في مسألة العداد" لكن الفنان الذي ينشد المجد والتجويد لا بد له من مصاحبة الاوركسترا الكاملة لأن لكل عازف ولكل آلة بصمتها الخاصة. عازف البيز جيتار عزالدين محمد سعيد قال إن الغالبية العظمى من جمهور الحفلات أصبحوا يميلون للأورغ، خاصة الشباب الأمر الذي تضرر منه بقية العازفين، لاسيما عازفي الكمنجات، ويقول سعيد إن الفترة الأخيرة شهدت مزاحمة من بعض الآلات للأورغ مثل الساكس والكونقا والبيز جيتار لكن الجمهور يفضل الأورغ نسبة للإيقاعات الراقصة والتي تعزف آلياً لدقائق طويلة. أصوات مستلفة الموسيقي والناقد الفني حمدي إبراهيم محمد يقول إن آلة الأورغ آلة حديثة تمت من خلالها برمجة جميع الآلات وكذلك الإيقاعات ويمكن للعازف أن يتحكم في سرعة الإيقاعات، وقد وضعت الشركات المصنعة لهذه الآلة مساحة لعمل برمجة يدوية للإيقاعات حتى يتم تسويق الآلة في كل أنحاء العالم ويضيف حمدي: في السودان تمت برمجة إيقاعات الدليب والمردوم من قبل عازفين غير موهوبين لذلك فإن الكثير من هذه البرمجات خاطئة ولا يجدي التعامل مع الآلة سوى العازفين البارعين وهم قلة. حمدي يرى أن كل الإيقاعات المبرمجة في الأورغ مستلفة وغير حقيقية ويقول إن هذا الأمر واضح جداً عند المغنيين الذين يصاحبون هؤلاء العازفين حيث يظهر "الفرق" عندما يغني المطرب بالأوركسترا. ويضيف هنالك برمجة صاخبة جداً وهي تنسف الفنان وتجعل دوره ثانوياً وبذلك أصبح العديد من عازفي الأورغ هم النجوم واشتهرت برمجات معينة وحتى الجمهور في حفلات الأعراس أصبح يسأل العازف قبل الحفل:" عندك برمجة فلان؟ من ناحية اقتصادية يقول حمدي إن الغناء بالأورغ جعل العازفين عطالى. ويضيف: الخطر الآن يزحف بقوة نحو عازف الأورغ نفسه. فالمطرب الآن أصبح يبرمج موسيقاه في قرص مدمج أو فلاش ويذهب لوحده إلى الحفل. وأضاف ساخراً:"بعد أيام سوف نسمع أن الأورغ سوف يغني لوحده"! نفق مظلم الدكتور كمال يوسف رئيس قسم الموسيقى بكلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان يرى أن استخدام الأورغ في حفلات الأعراس ليس مزعجاً بدرجة كبيرة من ناحية فنية، لطبيعة هذه المناسبات التي لا يستهدف الناس فيها الاستماع.لكن كمال يعود ويقول:في المسارح وتسجيلات الكاسيت والإذاعة والتليفزيون الأمر مختلف ويحكي تجربة له عندما كان عضواً في إحدى لجان المصنفات وذلك عندما رفض إجازة شريط كاسيت تم تنفيذه بالأورغ فقط! يذهب كمال يوسف لتدعيم وجهة نظره ويقول إن أصوات الآلات الأخرى التي تخرج من الأورغ غير طبيعية، ولا يمكن لآلة واحدة أن تعبر عن مشاعر مجموعة من العازفين ولا يمكن أن يحل الأورغن مكان الاوركسترا . ومن ناحية اقتصادية يقول: في مصر منعوا الغناء بالأورغ فقط حفاظاً على" أكل عيش" بقية العازفين وفي بلادنا يجب الانتباه لهذا الخطر لأن سيطرة الأورغن لها آثار اقتصادية كبيرة وسوف تدخلنا في نفق مظلم بدأنا الدخول فيه بالفعل لدرجة أن الأورغن دخل حتى في مجال الثقافات التقليدية "التراث"وهذا مسخ مشوه على حد تعبيره.