تواجه سوق السيارات الأوروبية وضعاً صعباً وتتراجع أرباح عدد كبير من شركات التصنيع. واجهت شركة «فولكسفاغن» المشاكل أيضاً، لكن يعتبر رئيسها التنفيذي مارتن فينتركورن في مقابلة مع صحيفة «شبيغل» أن الأرباح لا تزال وافرة، ويدافع عن راتبه الذي يُعتبر من أعلى الرواتب في أوروبا. بصفتك رئيس مجموعة «فولكسفاغن»، كسبتَ حوالى 23 مليون دولار في عام 2011. استناداً إلى قواعد التعويض الراهنة، بلغ راتبك في السنة الماضية على الأرجح حوالى 20 مليون يورو. هل تعتبر هذا الرقم منطقياً؟ لو تلقيتُ فعلاً 20 مليون يورو، سيصعب علي حتماً أن أشرح الأمر للناس. مهما بلغ مستوى نجاح الشركة، تبقى زيادة التعويضات محدودة. لذا أظن أنّ أفضل ما يمكن فعله هو أن يغير مجلس الإشراف والرقابة القواعد الخاصة بالتعويضات التنفيذية. لماذا تفرض مجموعة «فولكسفاغن» أصلاً قواعد تسمح بتقديم هذه الرواتب الخيالية؟ لا تُدفَع العلاوات على أساس النتائج المحققة في الفصل المقبل بل وفق المعايير السائدة على المدى الطويل: المبيعات والأرباح فضلاً عن مستوى إرضاء العملاء والموظفين. ثمة أهداف طموحة لكل شيء. لكن في تلك الفترة، لم يتوقع أحد أن تتطور الشركة بتلك الطريقة المدهشة. كذلك، أصبحنا اليوم شركة مختلفة. فقد أصبحت شركات «بورش» و{مان» و{سكانيا» الآن جزءاً من ميزانيتنا العمومية، وهذا الأمر يفسر ارتفاع الأرباح. يوحي كلامك بأن كسب 17،4 مليون يورو كان من باب المصادفة. إذا كان الوضع كذلك، كان يمكنك أن تتبرع بجزء من راتبك، كما فعل الرئيس التنفيذي السابق لشركة «بورش» وندلين فيدكينغ. لماذا لم تفعل ذلك؟ تبرعنا أنا وزملائي في مجلس الإدارة بملايين اليورو في الماضي. يمكن أن تفترضوا أنني أتبرع بالكثير في الخفاء لمساعدة الناس الذين يواجهون أوضاعاً صعبة. لكني لا أنشر هذه الأخبار علناً. مع ذلك، لا يمكن أن تكون التبرعات الخيرية وحدها الحل للمشكلة. من المنطقي أن يراجع مجلس الإشراف والرقابة قواعد التعويضات التنفيذية. ما معنى المال بالنسبة إليك؟ هل تحتاج إلى الملايين لشراء يخت أو لوحة لبيكاسو أم أن الهدف الأساسي من راتبك هو إدراج منصبك على لائحة أهم رجال الأعمال علماً أنك تحتل المرتبة الأولى في أوروبا؟ لا أملك يختاً ولا لوحة لبيكاسو. إذا قررتُ مكافأة نفسي من وقت إلى آخر، قد أشتري ساعة جميلة. لكنّ العلاوات تعكس أيضاً نجاح الشركة الذي لا يُعتبر ثمرة عمل المديرين التنفيذيين فحسب بل جميع الموظفين أيضاً. لذا يحصل الموظفون في شركة «فولكسفاغن» في ألمانيا على علاوة قياسية تبلغ 7500 يورو. تتجنب الحديث عن مبلغ 17 مليون يورو. بالنسبة إلى شركة مثل «فولكسفاغن»، من الضروري أيضاً أن تكون الشركة مقبولة اجتماعياً. يجب ألا يكون تعويضها التنفيذي خارج إطار المقبول. ألا تعتبر هذا الأمر تهديداً محتملاً على صورة «فولكسفاغن»؟ يجب أن نكون حذرين طبعاً في هذا الخصوص. لكني مقتنع بأن الأمور متوازنة في «فولكسفاغن». لم نكتفِ بتحقيق نتائج مالية جيدة في السنوات الأخيرة، لكننا وفرنا أيضاً حوالى مئة ألف فرصة عمل جديدة. لا أحد في الشركة تذمّر من حجم تعويضي. يكفي أن تسألوا أعضاء مجلس الأعمال لدينا. كسبتَ 18340726 يورو في عام 2011. بالإضافة إلى منصب الرئيس التنفيذي في «فولكسفاغن»، أنت رئيس شركة «بورش أوتوموبيل» القابضة. قبضتَ أقل من مليون يورو مقابل ذلك المنصب الجانبي. ما هو الوقت الذي خصّصتَه له؟ لدينا اجتماع أسبوعي لأعضاء المجلس التنفيذي في شركة «بورش». أتعامل بكل جدية مع ذلك المنصب أيضاً. ألا تستطيع «فولكسفاغن» أن تتوقع من رئيسها التنفيذي أن يخصص كامل اهتمامه لمنصبه الأساسي بما أنه يكسب راتباً بقيمة 17 مليون يورو؟ يكفي أن نلقي نظرة على أدائنا القياسي كي تتّضح الإجابة عن سؤالك تلقائياً. أنا الرئيس التنفيذي لمجموعة «فولكسفاغن»، والرئيس التنفيذي لماركة «فولكسفاغن»، ورئيس قسم تطوير الشركة، ولا ننسى مناصبي في مجالس الإشراف والرقابة في شركتي «أودي» و{سكانيا» وفروع أخرى. في الأساس، يقضي عملي دوماً بضمان إدارة فاعلة لهذه المجموعة التي تتألف من 12 علامة تجارية وأكثر من 550 ألف موظف. يستحيل تحديد الوقت المطلوب لتنفيذ مهمة كل فرد. صدقوني، لا تقدم «فولكسفاغن» مستوى أقل من التوقعات. تكثر الأعمال التي يجب تنفيذها حتماً في «فولكسفاغن» راهناً. يبدو أن مبيعات أهم سيارة من إنتاج شركتك، سيارة «غولف» الجديدة، لا تحقق مستوى جيداً جداً. بدأ التجار يعرضون خصومات عالية منذ الآن وكأن السيارة التي كانوا يحاولون بيعها ما عادت منتجاً جديداً. لنراجع الوضع للحظة! حققت سيارة «غولف» الجديدة بداية ممتازة. لدينا طلبات لأكثر من 120 ألف مركبة. وقد اضطررنا إلى تنظيم نوبات عمل إضافية في فولفسبورغ. ووفق دراسة راهنة من تنفيذ مؤسسة «مورغان ستانلي»، تقدم «فولكسفاغن» أقل نسبة من الخصومات على الأسعار مقارنةً بأي شركة أوروبية أخرى لتصنيع السيارات. يمكن إيجاد تجار يعرضون على الإنترنت سيارات «غولف» مع خصومات تفوق نسبة ال18%. يتورط عدد قليل من التجار المخادعين في هذه العمليات المشبوهة. لكني أعلم حقيقة ما يحصل هناك. عند تنظيم أي مباراة لفريق فولفسبورغ في ملعبه المحلي، أقابل عشرة تجار من مدينة الفريق الزائر. يخبرونني بمسار العمل ومدى رضاهم على سيارة «غولف» الجديدة. غالباً ما تُطلَب السيارة بأسعار أعلى من 30 ألف يورو. سيارة «مرسيدس بنز فئة A» الجديدة منافِسة جدية لسيارة «غولف». وقد صُنفت باعتبارها السيارة الأكثر رواجاً في ألمانيا وفق دراسة من إعداد «رابطة السيارات الألمانية». وحلت «غولف» في المرتبة الثانية. هل يزعجك الأمر؟ أتقبل النتيجة بروح رياضية. لكن حين بدأت «رابطة السيارات الألمانية» دراستها، كانت سيارة «مرسيدس بنز فئة A» قد طُرحت في الأسواق منذ أشهر عدة بينما ظهرت سيارة «غولف» منذ 14 يوماً فقط. يعني ذلك أن الناس لم يشاهدوا أعداداً كبيرة من «الغولف» في الشوارع. كذلك، دائماً ما تكون السيارة الأكثر رواجاً هي التي تحقق أعلى المبيعات. في ما يخص مبيعات سيارات «الغولف»، لا شيء يدعونا إلى القلق. لكن ها قد وصلت أزمة السيارات الأوروبية إلى «فولكسفاغن» الآن. تحصر أسابيع العمل بأربعة أيام لكل أسبوع في مصنع «إمدن» حيث صُنعت سيارة «باسات». يذكّرنا ذلك بالأزمة التي وقعت في بداية التسعينيات. ما مدى سوء الوضع بالنسبة إلى «فولكسفاغن» في أوروبا؟ لا يقتصر أسبوع العمل على أربعة أيام في «إمدن». بالكاد نوقف الإنتاج لبضعة أيام من وقتٍ إلى آخر. لكن هذا صحيح. أصبحت سوق السيارات الأوروبية ضعيفة جداً في الوقت الراهن. تراجع بعض الأسواق الفردية إلى أدنى المستويات تاريخياً، مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا. ولا أمل في حصول تعافي سريع هناك. بصفتنا أهم شركة تصنيع في أوروبا، يؤذينا هذا الوضع طبعاً. لكننا نتابع النمو، لا سيما في الصين والولايات المتحدة وأميركا الجنوبية والهند وروسيا. تقدم مجموعة «فولكسفاغن» أعداداً إضافية من المنتجات إلى تلك الأسواق عبر المصانع المحلية. لا تبذل المصانع الموجودة في ألمانيا الكثير لتعزيز الازدهار في الخارج، فهي تنتج سيارات تستهدف السوق الأوروبية في المقام الأول. لا نكتفي بشحن أكثر من 200 ألف سيارة في السنة من ألمانيا إلى الصين، بل نشحن أيضاً مئات آلاف المحركات وأجهزة نقل الحركة وأنظمة التوجيه ومحاور العجلات. هذا ما يؤمّن فرص العمل هنا في ألمانيا وهو أحد الأسباب التي تؤكد أن مستقبل «فولكسفاغن» يزداد اتكالاً على الصين وروسيا والهند والولايات المتحدة وجنوب شرق آسيا. تشير الخصومات، ولا نعني هنا تلك التي يقدمها بعض التجار المخادعين بل تلك التي تقدمها «فولكسفاغن» مباشرةً، إلى أن الأخيرة تخضع للضغوط في أوروبا. يمكن الحصول على بعض نماذج «بولو» مع خصم بقيمة 2780 يورو وعلى «تيغوان» مع خصم بقيمة 2690 يورو، بيما يرتفع الخصم على نماذج «شاران» إلى 3210 يورو. تقدم «فولكسفاغن» خصماً بقيمة 3200 يورو على سيارة النقل «مالتيفان» (Transporter Multivan)، بالإضافة إلى «حسم إضافي بقيمة ألف يورو على كل طفل». تماماً مثل الشركات المنافِسة، نحاول تقوية موقعنا في السوق الأوروبية عبر تطبيق مقاربات مميزة. الأزمة القائمة عبارة عن اختبار تحمّل بالنسبة إلى جميع شركات التصنيع. لكننا لسنا من بين الأطراف التي تشجّع على الخصومات. تركز الشركات المنافِسة مثل «فيات» و{أوبل» و{بيجو» بشكل مفرط على السوق الأوروبية، حيث تواجه خسائر كبرى. لكن تحقق مجموعة «فولكسفاغن»، بسبب نجاحها في الأسواق الناشئة، نتائج ممتازة عموماُ. يشير ذلك إلى أن «فولكسفاغن» تحاول إجبار منافسيها على الخروج من السوق عبر الخصومات. قال الرئيس التنفيذي لشركة «فيات» سيرجيو مارشيوني إن «فولكسفاغن» تحاول إنشاء «حمام دماء». لا نريد الضغط على أحد. لكن لا شيء يدعونا إلى الخجل من النجاح الذي تحققه سياراتنا. نستفيد لأننا نملك الآن نظاماً لهياكل السيارات يسمح لنا بإنتاج مجموعة واسعة من النماذج من ماركاتنا وفق أساس تقني واحد. تبدو هذه السيارات مختلفة بالكامل وتكون قيادتها مختلفة جداً أيضاً. لكن ستتراجع تكاليف الوحدة الإنتاجية بنسبة 20% وستنخفض مدة الإنتاج أكثر بعد. هذا ما يفتح أمامنا المجال للاستثمار في منتجات مبتكرة وتكنولوجيا جديدة، فضلاً عن كسب أرباح جيدة بفضل النماذج المميزة. تُعتبر شركة «فولكسفاغن» الآن جهة عدائية في فرنسا. نشرت صحيفة «إكسبرس» مقالة عن سياسة «فولكسفاغن» التوسعية تحت العنوان الرئيس: «فولكسفاغن فوق الجميع». نعم علمتُ بذلك وهذا الأمر يقلقني. لكن لننظر إلى إيطاليا. يملك الإيطاليون ماركات مدهشة مثل «لانسيا» و{ألفا روميو». وكان يتم تصنيع أكثر من مليون سيارة سنوياً منذ 10 أعوام، لكن يقتصر العدد الآن على 400 ألف. لا يمكن أن يحمّلنا أحد مسؤولية ذلك التراجع. على ضوء الأزمة القائمة في أوروبا، هل يمكن أن تحققوا هدفكم الأساسي بجعل مجموعة «فولكسفاغن» أهم شركة لتصنيع السيارات في العالم بحلول عام 2018؟ متمسكون بذلك الهدف. لطالما افترضنا أن النمو لن يتحقق أولاً في أوروبا بل في الصين وروسيا وأميركا الجنوبية والشمالية. يجب أن نبذل جهوداً أكبر هناك أيضاً. يمكن أن تقوم «فولكسفاغن» بأمور كثيرة ولكنها لم تتمكن بعد من تطوير سيارة مقتصِدة. ما هي الخطوات المقبلة؟ يجب أن نطلق مسارات جديدة حتماً. سيحصل التطور الأساسي في ألمانيا، لأجل تحديد شكل السيارة مثلاً ونوع المحركات فيها. ثم سيتم تطويرها على نطاق أوسع في الصين مع أحد شركائنا وسيتم تصنيعها بدءاً من عام 2015. ينتهي عقدك في عام 2016 وستبلغ حينها 68 عاماً. هل تنوي تمديده مجدداً والتقاعد في سن السبعين؟ لا شك في أن العمل شاق. مثلاً، سافرنا حديثاً إلى ديترويت لحضور معرض سيارات يوم الأحد، ثم تابعنا رحلتنا إلى المكسيك في صباح يوم الاثنين لحضور افتتاح مصنع المحركات الجديد التابع لنا. يوم الثلاثاء، هبطنا في فولفسبورغ لحضور اجتماع المجلس التنفيذي. وفي فترة بعد الظهر من ذلك اليوم، سافرنا إلى السويد حيث اختبرنا بعض النماذج الجديدة. لكني أستمتع بالعمل كثيراً. أظن أنني سأتابع العمل لفترة أطول طالما أشعر بالنشاط وتدبّ فيّ الحياة. أريد رسم معالم الجيل المقبل من سيارات «غولف». سيُطرح ذلك الجيل في الأسواق في عام 2018... وأريد أن أكون جزءاً من ذلك.