الوصول إلى الزمن 'الإخواني' الذي يكتمل فيه الاستحواذ يتطلب الانقلاب الكلي على الشرعية القائمة، وعلى كل القواعد الدستورية والقانونية والأعراف السياسية. بقلم: د. سالم حميد القيادي «الإخواني» السابق في جماعة الإخوان المتأسلمين في مصر الأستاذ المحامي ثروت الخرباوي، قال في جملة عابرة له لم يلتفت إليها من شاهدوا إحدى الحوارات الأخيرة المتلفزة معه عبر إحدى القنوات الفضائية الإخبارية: إن الإخوان يسعون إلى إقامة دولة "الخلافة الإخوانية" وليست "الخلافة الإسلامية". ولم ينتبه المحاور في البرنامج إلى ما قاله الخرباوي الذي يعد الآن أحد أشهر المنسحبين من تنظيم "الإخوان" الإرهابي، له كتاب متداول حول تجربته مع الإخوان بعنوان "سر المعبد". لكن الخرباوي وكتابه المهم ليس موضوعنا الآن، بقدر ما تهمنا الجملة القصيرة التي قالها عن دولة الخلافة الإخوانية وليست الإسلامية. ولا تحتاج معرفة الفرق بين الخلافة "الإخوانية" والخلافة الإسلامية إلى معاناة، لأن الخلافة الإسلامية لها تاريخ محفور في سجلات القرون الماضية، وكانت المشروعية الدينية للخليفة من الأسلحة المباشرة التي ظل الخلفاء يعتمدون عليها طوال العهدين الأموي والعباسي وما تلاهما من عهود وتشظيات وممالك وطوائف. ومع ذلك يمكن القول إن التاريخ الإسلامي الذي شهد توظيف المشروعية الدينية في بلاط الحكم، لم يكن يجعل من تلك المشروعية غنيمة جماعية سهلة، تستأثر بها ثلة من الفاشلين، أو ممن ثبت لدى الناس أنهم يجيدون هدم الدول القائمة ويبرعون في تقسيم الشعب الواحد. أما الاستنتاج الذي تطرحه فكرة "الخلافة الإخوانية"، فهو أن الصبغة الإسلامية التي يحرص "الإخوان" على التزين بها ليست إلا مظهراً خارجياً، وأن القصد من ذلك المظهر هو الحصول على مشروعية دينية شكلية لتبرير الاستبداد الذي يتهيأ "الإخوان" لتدشينه على طريقتهم الخاصة، وليس حتى على طريقة الاستبداد الإسلامي، الذي يكون فيه الخليفة معلوماً للناس ومالكاً لزمام الحكم، ولم يكن ينتظر أن تأتيه التعليمات من مكتب الإرشاد. لعل الصورة اتضحت الآن. فتلك الشراسة التي يبديها "الإخوان" عندما يتحدثون عن الشرعية، لا تعني إلا أنهم في الطريق إلى استبدال الشرعية الثورية التي أوصلتهم إلى الحكم بالنوع الآخر من الشرعية، وهي الشرعية الدينية التي يخططون لجعلها في المستقبل واجهة للسيطرة الدائمة على مقاليد الحكم، ومعنى ذلك أن مصر في انتظار ولادة الدولة أو الخلافة الإخوانية. ويتداول مقربون من الجماعة أخباراً حول الخلافات المبكرة التي تدور منذ الآن ولكن بصمت داخل صفوف الجماعة. ويقال بأنهم يصفون المرحلة الراهنة ب "زمن المغنم"، على اعتبار أن ما قبلها كان "زمن المغرم". ويدور الصراع الخفي داخل الجماعة حول المواقع الحكومية في المحافظات والأقاليم، وأن بعضهم لا يتردد في تذكير الجماعة بالتضحيات والخسائر التي لحقت به في زمن المغرم، وبناء على ذلك يرشح نفسه لما يرى أنه جدير بتوليه لكي يحظى بدوره بنصيب من الغنيمة. هؤلاء إذن ليسوا جماعة دينية أو حتى سياسية تستغل الدين لخدمة أهدافها. فما يتسرب من أحاديث من هذا النوع حول خلافات الصف الثاني داخل الجماعة بشأن تقاسم الغنائم في زمن المغنم، إنما يضعنا أمام جمعية تضم في عضويتها مجموعة من المنتفعين الذين يعتبرون الدولة ومناصبها غنيمة ومكافأة لا يشترط في من يتقدم لنيلها سوى أنه يحمل بطاقة العضوية في الجمعية النفعية ذاتها. وكأن "الأخونة" في وجه من وجوهها، هي مرحلة اقتسام الغنائم والسطو على الدولة، وهذا ما يفسر سبب فشل الإخوان في إدارة اقتصاد مصر وإيقاف حالة الانهيار المستمرة في زمنهم أو في زمن المغنم كما يقولون. لكن الوصول إلى الزمن "الإخواني" الذي يكتمل فيه الاستحواذ يتطلب الانقلاب الكلي على الشرعية القائمة، وعلى كل القواعد الدستورية والقانونية والأعراف السياسية. وهذا ما سوف تتكفل بتحقيقه مرحلة "أخونة الدولة" والمجتمع واختراق التشريعات بالتدريج، إضافة إلى زرع الأتباع والأعوان في كافة مفاصل السلطة. وما يقوم به "الإخوان" الآن في مصر يمضي في هذا الاتجاه، أي في اتجاه مرحلة الأخونة والاختراق المرحلي للتشريعات وللمؤسسات. بينما سيلعب الإعلام دوراً في تهيئة الجمهور. وقد بدأ "الإخوان" بالفعل يسيطرون على وسائل الإعلام الحكومية، التي تروج بكثافة لفكرة مفادها أن المعارضة مجرد أقلية. والهدف من التقليل من شأن المعارضة هو التأكيد على أن "الإخوان" هم الأغلبية، وبالتالي لديهم الشرعية التي تمنحهم الحق في إصدار التشريعات التي يريدونها. ولا يستبعد أن يكون إفقار مصر واستنزاف رصيدها الاحتياطي في ظل حكومة "الإخوان" أمراً مقصوداً، بهدف التهيئة لإعلان تنصيب الخليفة "الإخواني" المنقذ. والخلاصة أن "الأخونة" قد بدأت بالفعل في مصر، وأن ما يقوم به الإخوان ليس نوعاً من الاستحواذ، بل إنه أخطر من ذلك بكثير. لأن الاستبداد الذي ينتج عن الاستحواذ يكون قابلاً للانهيار، بينما الاستبداد الجماعي الذي يتسلح بمشروعية دينية مهما كانت زائفة، يوهم المجتمع بأنه ظل الله على الأرض وخليفته وحامي شريعته. وما يجعل من سيناريو الأخونة بمثابة مرحلة تمهيدية للوصول إلى مرحلة الاستبداد الإخواني طويل الأمد، هو أن جماعة الإخوان المتأسلمين لم تقدم حتى الآن ما ينفي عكس ذلك. ولا تزال الجماعة ترفض تقنين وضعها، ولا تزال كياناً غامضاً لم يتقدم بأي برنامج سياسي واضح، كما أن إشهار ذراع سياسية تابعة للجماعة إنما يشكل ازدواجية غامضة، إلا إذا كانت وظيفة حزب "الحرية والعدالة"، هي الإبقاء على الجماعة السرية في مأمن. كما أن جماعة الإخوان المتأسلمين لم تحدد موقفها حتى الآن بوضوح تجاه مشروعية الانتخابات وضمانات نزاهتها، باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتداول السلطة. ورغم أن الجماعة استغلت هذه الوسيلة ووصلت عبرها إلى الحكم بالفعل، لكن كل ممارساتها تشير إلى أن الانتخابات كانت بالنسبة لها وسيلة، ولكن من النوع الذي يستخدم لمرة واحدة. د. سالم حميد كاتب من الإمارات