هذا المكوجي الذي امامنا في لوحة الفنان محسن أبوالعزم، قام بحرق قميص الرجل الذي يقف أمامه منفعلا وقابضا على صدر الفانيلة الداخلية للمكوجي. والمكوجي نراه في حالة ذعر وخوف وهلع من تلك الهجمة الشرسة والرجال الاربعة الذين ملأوا دكانه الضيق، والخامس يقف ضاحكا على باب الدكان من الخارج أقصى يمين اللوحة. إنها لوحة تحمل عبق التراث الشعبي في أحد الأحياء المصرية الفقيرة التي تحتوي على بعض "الفتوة"، كما نراهم في بعض أعمال نجيب محفوظ على سبيل المثال، أو بعض "البلطجية" إن صح أن نطلق هذا التعبير على هؤلاء الرجال الذين اقتحموا محل المكوجي ويحملون في أياديهم العصي او الشوم، لتأديب المكوجي الذي تجرَّأ على حرق ظهر القميص الأبيض الذي يحمله الرجل الذي في منتصف الصورة. إن آثار الحرق تبدو ظاهرة للعيان في تلك البقعة السوداء الواضحة على ظهر القميص الابيض الذي يمسكه الرجل بيسراه، بينما تقبض يمناه على ملابس المكوجي. إنه محل تقليدي، يعمل بمكواة الرِّجْل التي كانت منتشرة في زمن فات، قبل اختراع المكواة الكهربائية، وانتشار محلات (الدراي كلين)، وخلف المكوجي يبدو وابور الجاز في مستوى الرأس، ولكنه لا يعمل، في حين يتوهج فرن صغير الحجم، يبدو أنه هو الذي يقوم المكوجي بتسخين مكواه بداخله. بينما نلاحظ في أقصى يسار أسفل اللوحة الكاريكاتيرية برميل ماء، وكوزا بجوار مكواة الرِّجْل، ويستخدم الماء في بخِّه على الملابس أثناء عميلة الكوي. إنها مفردات عمل المكوجي اليومية إلى جانب منضدة منخفضة وشبه مبطنة يفرد عليها المكوجي الملابس التي يقوم بكيها. وقبل أن نعود إلى الرجال الخمسة الذين قاموا باقتحام دكان المكوجي، نلاحظ أعلى منتصف الصورة وجود بعض الأرفف الزرقاء المكدسة عليها بعض الملابس المطوية التي انتهى المكوجي من كيها، وتنتظر أصحابها، كما نلاحظ ملابس أخرى معلقة على حوامل أسفل منها، تنتظر هي الأخرى أصحابها. ونعود إلى الرجال المقتحمين الذي جاءوا منفعلين للمشاجرة مع المكوجي الذي قام بحرق قميص الرجل الأول، بينما يقوم الرجل الثاني (وهو أطول الرجال الخمسة) بتهديد المكوجي وضربه بالحذاء. ونلاحظ ذلك التهديد في حركة أصابع يده اليمنى فيما يشبه القسم وكأنه يقول: (والله العظيم تلاتة لاضربك بالجزمة). وبالفعل يحمل في يده اليسرى فردة حذائه اليمنى. وإذا دققنا النظر اسفل اللوحة سنلاحظ أن الرجل الطويل خلع فردة حذائه اليمنى وأمسك بها بيده اليسرى، ويتضح لنا عضلاته المفتولة، في مقابل المكوجي ضعيف البنية والتكوين الذي يكاد يموت من الخوف والفزع بين يدي الرجل الأول. إنها مشاعر وأحاسيس إنسانية في حالة غضب وفزع وخوف وهلع استطاع الفنان محسن ابوالعزم أن يجسدها أو يصورها لنا في صورة كاريكاتيرية كعادته، نلمح فيها تلك التقاليد أو العادات الاجتماعية والاقتصادية لطبقة أو شريحة معينة داخل المجتمع المصري التي أعتقد أنها لا تزال موجودة في بعض الأحياء الشعبية سواء في المدن أو الريف. وخلف الرجل الطويل الذي يمسك بحذائه في يده، نرى ثلاثة أشخاص جاءوا للمناصرة أو الضحك على هذا الموقف الكوميدي من وجهة نظرهم، والمأساوي من وجهة نظر المكوجي الذي ربما يموت بسكتة قلبية جراء هذا الهجوم الشرس عليه وعلى محله الفقير. ولعلنا نلاحظ ذلك التناقض الحاد بين الرجل الطويل والرجل القصير ذي الملامح الشرسة والذي يقف بجانبه ممسكا الشومة أو العصا الغليظة التي جاء بها ليؤدب هذا المكوجي الخائف. بينما الرجل متوسط القامة خلفه يضحك بشدة من الموقف، وكأنه يشاهد فيلما كوميديا لنجيب الريحاني. أما الرجل الذي يقف على باب الدكان فهو الوحيد الذي يضع عمامة على رأسه، وكأنه معلم القهوة أو صاحب القهوة التي نتخيل وجودها بجوار محل المكوجي، رغم عدم وجودها في اللوحة، ولكن كل المعطيات الفنية والبيئية في لوحة محسن ابوالعزم تشي بضرورة وجود هذا المقهى الشعبي في تلك المنطقة التي يقع فيها محل المكوجي. لاشك أننا نشاهد في هذه اللوحة قطعة حية من حي شعبي مصري، في تعاملات البشر اليومية، وسلوكياتهم مع بعضهم البعض. ميدل ايست أونلاين