علماء نفس واجتماع تونسيون: الشباب المفقّر لم يجن من ثورته غير الإحباط بعد أن خذله السياسيون والحكومات المتعاقبة. تونس قال أخصائيون في العلوم الاجتماعية والنفسية والسياسية إن حادثة إقدام شاب على محاولة الانتحار بإضرام النار في جسده وسط شارع الحبيب بورقيبة رمز الثورة التونسية، تعتبر مؤشرا قويا على "انتفاضة شعبية قادمة ضد حكومة النهضة" و"رسالة قوية من الفئات المهمشة والمحرومة إلى حكومة علي لعريض يوم منحها الثقة من قبل المجلس التأسيسي". وشدد الأخصائيون على أن "شباب الجهات الداخلية التي فتكت بها الخصاصة وتفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة لم يجن من ثورته التي قادها سوى المزيد من الإحباط بعد أن خذله السياسيون والحكومات المتعاقبة". وأقدم الشاب عادل خذري (27 عاما) وهو بائع سجائر متجول نزح إلى تونس العاصمة من محافظة جندوبة التي تقع في الشمال الغربي بالبلاد صباح الثلاثاء على إضرام النار في جسده احتجاجا على مضايقة الشرطة البلدية في حادثة مماثلة لانتحار محمد البوعزيزي الذي تحول إلى رمز للربيع العربي وألهم ملايين الشباب ليقودوا ثورات ضد أنظمة الحكم. وقال أستاذ العلوم الاجتماعية بالجامعة التونسية عادل النفاتي "إن هذه الحادثة تؤكد أن الشباب التونسي لم يجن من حكومة النهضة سوى المزيد من الإحباط والشعور بالحرمان والتهميش"، مضيفا "أن يقدم شاب على محاولة الانتحار بعد مضي أكثر من سنتين على ثورة قامت ضد الفقر والتهميش هو مؤشر على أن هناك إمكانية انتفاضة شعبية قادمة بعد أن يئس آلاف الشباب من الوعود دون أن تتم معالجة مشكلة البطالة معالجة جدية وناجعة". وبرأي النفاتي فإن محاولة الانتحار في شارع الحبيب بورقيبة الذي احتضن ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011 تحمل الكثير من الدلالات ليس أقلها أن الشباب الذي أطاح بنظام الرئيس بن علي مستعد لقيادة انتفاضة شعبية ثانية بعد أن يئس من أداء حكومة النهضة التي وعدت بالكثير ولم تنجز شيئا يذكر". وخلال عامين من الثورة بات التونسيون يشعرون أكثر بالإحباط في ظل هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى حوالي المليون عاطل على الرغم من أن حركة النهضة وعدت بتوفير 300 ألف موطن شغل. ولا يتردد غالبية التونسيين في "التحسر على عهد بن علي" نتيجة تفاقم أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية في ظل ارتفاع نسبة البطالة التي تبلغ أكثر من 50 بالمائة في الجهات المحرومة منها محافظة جندوبة التي ينحدر منها بائع السجائر المتجول عادل خذري ومحافظة سليانة التي شهدت خلال الأشهر الماضية انتفاضة شعبية عارمة دفعت بحركة النهضة إلى الإقرار بفشلها في الحكم. وإزاء تردي الأوضاع في الجهات المحرومة وارتفاع نسبة الفقر التي تشمل أكثر من نصف سكانها نزح خلال العامين الماضيين الآلاف من الشباب إلى العاصمة تونس ليقتاتوا من مهن وضيعة حتى أن المشهد العام للمدينة تغير بالكامل بعد أن احتل الباعة المتجولون أرصفة الشوارع والأنهج. واعتبر الباحث في العلوم السياسية والناشط في الحزب الجمهوري رشيد كمون أن "محاولة الانتحار صبيحة يوم منح المجلس التأسيسي الثقة لحكومة علي لعريض تعد رسالة قوية للائتلاف الحاكم وللنهضة بالتحديد على أن قطاعات واسعة من الشباب التونسي المحروم والمهمش مازال مستميتا في الدفاع عن حقه في الشغل وفي التنمية". وأضاف كمون "على حكام تونس أن يتلقوا الرسالة وأن يفهموا أن شرعيتهم مهزوزة وأن الكثير من التونسيين لا يثقون فيهم بعد أن جربوا حكمهم واقتنعوا أن همهم الوحيد هو توزيع المناصب والكراسي وليس الإصغاء لمطالب العاطلين والفقراء". ومن جهته شدد أستاذ علم النفس الاجتماعي بالجامعة التونسية نوفل النيفر على أن "محاولة انتحار الشاب عادل خذري تعكس أن النسيج الاجتماعي التونسي تعصف به حالة من الهشاشة اخترقت البنية النفسية للأفراد الذين أنهكهم الإحباط نتيجة انسداد الآفاق أمامهم". وأضاف النيفر "لقد صبر الشباب العاطل والمحروم كثيرا على فشل السياسيين الحاكمين في توفير الحلول العملية لمطالب حياتية ضرورية غير أن معنوياته اليوم انهارت أو تكاد تنهار وليس أمامه سوى الانتحار أو الانتفاض من جديد لتعود تونس إلى المربع الأول، إلى حادثة انتحار محمد البوعزيزي". وأعادت محاولة انتحار الشاب عادل خذري إلى أذهان التونسيين عملية انتحار بائع الخضار المتجول محمد البوعزيزي التي اندلعت على إثرها انتفاضة شعبية في مختلف جهات البلاد أطاحت بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي في 14 يناير/كانون الثاني 2011.