عقد الملك خوان كارلوس اتفاقاً مع شعبه: هو سيكون أهلاً لحمل صفة الملك وهم سيحترمونه. لكن بعد أن نكث بالوعد الذي قطعه في هذه الصفقة، سارع الإسبان إلى التخلي عن التزامهم أيضاً. «شبيغل» تسأل: هل حان الوقت لحل النظام الملكي الإسباني؟ لا أحد يعلم ما إذا كان الاتفاق مستمراً بعد جميع الفضائح التي حصلت. لكن منذ أكثر من 30 سنة، عُقد اتفاق ضمني بين الإسبان وملكهم: من جهة، يجسد خوان كارلوس وحدة الوطن الذي يواجه صعوبة في الحفاظ على وحدته. ومن جهة أخرى، كان يجب أن يضمن ألا يشعر الإسبان يوماً بالخجل من العائلة المالكة. كان يُفترض أن يعيش خوان كارلوس، ظاهرياً على الأقل، زواجاً مثالياً ومملاً مع صوفيا، فضلاً عن ضمان بقاء ابنه، ولي العهد فيليبي، بعيداً عن المشاكل. في المقابل، كان يتعين على كل إسباني أن يدعم الملك ويدافع عنه بشراسة ضد جميع الانتقادات. كان هذا الاتفاق إسبانياً بامتياز. فقد عكس جزءاً من خصائص البلد مثل تفضيل الإسبان تناول الغداء في ساعة متأخرة أو عجزهم عن تصنيع سيارات عالية الجودة. التزمت الصحافة بالاتفاق والتزم به أيضاً السياسيون ونقابات العمل وممثلو الكنيسة، وحتى الأشخاص الذين يعتبرون خوان كارلوس في سرّهم أسوأ متسكّع في إسبانيا. لم يكن أحد ينتقد الملك، فبقي خارج السجالات حتى لو تفوه أحياناً بأمور سخيفة. يمكن أن يشبّه الألمان علاقة إسبانيا بخوان كارلوس بعلاقتهم بالمستشار السابق هلموت شميت. كانت الأمور تسير على ما يرام إلى أن دخلت امرأة ألمانية حياة الملك: إنها الأميرة كورينا زو سايان- فيتجنشتاين-سايان، علماً أنها كانت تحمل في الأصل شهرة لارسن. هي من فرانكفورت ولم تولد في عائلة أرستقراطية. تزوجت بالأمير كازيمير زو سايان- فيتجنشتاين-سايان واحتفظت بشهرته بعد طلاق الثنائي. صيد الفيلة سمع معظم الإسبان عن كورينا للمرة الأولى منذ سنة تقريباً، حين كسر ملكهم وركه في بوتسوانا. بعد أن أخبر خوان كارلوس شعبه بأن التفكير في بطالة الشباب يحرمه النوم، قرر الذهاب لصيد الفيلة مع أنه كان الرئيس الفخري للفرع الإسباني التابع للصندوق العالمي للحياة البرية في تلك الفترة. شعر الناس باستياء عارم، ثم قام الملك بأمر غير مألوف حين اعتذر علناً. كانت كورينا قد شاركت في تنظيم رحلة الصيد، ما زاد الإشاعات عن كونها أكثر من مجرد صديقة مقربة. تغير أمر ما في إسبانيا منذ تلك اللحظة. حتى تلك الفترة، كانت الانتقادات تجاه العائلة المالكة، إذا وُجدت، موجهة ضد الأصهرة. حصل أحدهم على الطلاق من ابنة خوان كارلوس، إيلينا، وكان يواجه على ما يبدو مشكلة تعاطي الكوكايين بينما تورط صهره الآخر بفضيحة فساد. لكن بدأ الإسبان يتكلمون أيضاً عن النظام الملكي نفسه. فظهرت كتب تنتقد النظام الملكي. يتطرق أحد الكتب مثلاً إلى معاناة الملكة صوفيا المستمرة بسبب علاقات زوجها المتعددة. فحصد ولي العهد فجأةً شعبية أكبر من والده. اليوم، يشعر نصف الإسبان تقريباً بأن فيليبي يجب أن يتولى العرش. تُطرح الآن أيضاً أسئلة حول تورط خوان كارلوس في حياة صهره المتهم، إيناكي أوردانغارين، أكثر مما كشفت العائلة المالكة أمام الرأي العام. أخيراً، حصلت المحكمة أيضاً على رسائل إلكترونية تربط أوردانغارين بصديقة الملك كورينا. ثم زادت كورينا الوضع سوءاً حين أجرت ثلاث مقابلات كبرى حيث أعادت التأكيد على صداقتها مع الملك وأنكرت أي علاقة لها بعمليات الاحتيال. لكن لسوء الحظ، ذكرت أيضاً أنها قامت بعمليات «حساسة وسرية» لصالح الحكومة الإسبانية بفضل معارفها المهمة. تخيف هذه الفكرة شريحة واسعة من الإسبان. صحيح أن الحكومة أنكرت ذلك الادعاء فوراً، لكن استُدعي رئيس الاستخبارات للإدلاء بشهادته حول هذا الموضوع أمام لجنة برلمانية. رمز الديمقراطية يبدو أن خوان كارلوس يمر الآن بتجربة مماثلة مع بقية أبناء بلده: بدأت إسبانيا والعائلة المالكة تستيقظان من حلم كان جميلاً جداً. منذ فترة غير طويلة، كانت إسبانيا تُعتبر نموذجاً أوروبياً مثالياً بفضل اقتصادها الحيوي ومطبخها المعاصر وخططها المميزة في مجال البناء. كان خوان كارلوس يدرك حتماً أن الإسبان لا يؤيدون النظام الملكي بالضرورة، وذلك لأن سلفه تشارلز الرابع سلّم البلد إلى نابوليون في عام 1808. لكنهم كانوا يشعرون بالامتنان أيضاً. بعد دكتاتورية فرانكو، دعم خوان كارلوس المسار نحو الديمقراطية وعارض بكل شجاعة الانقلاب العسكري في عام 1981، أقله وفق المصادر الرسمية. لهذا السبب، ما كان أي إسباني يتصدى للملك أو ينتقد رحلات التزلج أو رحلات الإبحار الفاخرة، ولا حتى تكاليف صيانة قصوره وحدائقه التي بلغت 34 مليون يورو. بالنسبة إلى الشعب، كان رمزاً للديمقراطية لا التاج. لكن تصطدم إسبانيا وملكها الآن بواقع مزعج. أثبتت الأزمة مكانة البلد الحقيقية: ليست إسبانيا ضمن أهم الدول في أوروبا. كذلك، أدرك خوان كارلوس فجأةً أن الإسبان قد يكونون صبورين وممتنّين ولكنهم ليسوا أغبياء. لهذا السبب، قد تعود قريباً الفكرة التي تم تداولها منذ رحلة السفاري لصيد الفيلة: هل حان الوقت لحل النظام الملكي الإسباني؟