«يا زينة البنات أنا جايك عريس يا السمحة مهرك ما رخيص» تحت تأثير لهيب الحب يتغنى آدم لحواء السودانية «محبوبته» بهذه الكلمات وعن باله تغيب كل التفاصيل الخارجة عن مألوف واقعه الاقتصادي، فقط حب عميق يسوق كلماته فيدفع أغلى المهور ويأتي لست الحسن والجمال بما يعجز عنه الملوك كيف وهو الفارس الذي خطف قلب تلك لفتاة وفي نشوة التفاصيل يضيق ذلك الفارس ويصبح غير منتبه لإيقاع الدلوكة وصوت الزغاريد فثمة رسائل تأتيه من قبل العروس فهي بلا شك ليست رسائل غرام على وشك التتويج وأنما رسائل تحمل في مضمونها جملة «أدفع يا عريس» بعد أن ظن أنه قد أوفى ما عليه من «مهر وشبكة» إلاَّ أن طلبات أخرى غير متفق عليها تلاحقه بل تكاد تفسد عليه يوم التتويج.. على هذه الطريقة تقام أعراس السودانيين منذ أزمان بعيدة فقط إختلاف الشكل وزيادة الصرف. ففي خمسينيات القرن الماضي جلست فتيات الحلة وأقمن حلقة حول العروس لإجراء المشاورات لكيفية وضع لمسات العرس والتي تبدأ بليالي الصخب أي بما يعرف بالتعليمة (رقيص العروس)... فمن هذه التداعيات خرجت وزيرة العروس لتتولى ادارة شئون مستلزمات «العروس» وتكون بمثابة الناطق الرسمي باسمها .. وهنا يبدأ مرسال الطلبات للعريس أن يدفع حق «العلامة» أي الفنانة التي تقوم بتعليم الرقص.. وبعد الانتهاء من إجادة الرقص عليه دفع (حق المشاطة) حيث لا كوافير في ذلك الزمان على حد قول الحاجة نفيسة محمد عمر التي أكدت أن ما يقوم به العريس من صرف تجاه عروسته لا يقل عما يجري الآن ولكن تغير الشكل وبعض الإستحداثات شكلت الزيادة، فما بين الأمس واليوم متغيرات «المشاطة» تحولت لكوافير وقبل الوصول لمرحلة الكوافير ثمة شيء جديد أدخل زيادة لأعباء الصرف من قبل العريس وهو ما يعرف (بحق الحبسة) فهي عبارة عن مأكولات تخص العروس وأشياء أخرى من أجل الجماليات. وبعد الانتهاء من هذه المرحلة يقوم العريس بدفع ايجار فستان الزفاف وتكاليف زينة العروس و «صحيباتها» إضافة لما يعرف «بالشباين» اي من يرافقن العروس ساعة الزفاف وهو يعد صرفاً جديداً لم يكن موجوداً في دفاتر الزواج سابقاً. تقول سامية عبد الرحمن أن كثيراً من الأحيان تحدث خلافات بسبب هذه المطالبات وأن لم يكن بعضها أوقف مرحلة التتويج «العرس» فالعروس ترفض أن تتنازل عن متطلباتها وان كانت تصر على تنفيذ طلباتها والعريس يصر على أنها كماليات لا يرغب فيها بل يقول (دايرها بدون زفاف وجدلة) عندما يضيق عليه حصار «الطلبات». فمن صغائر تلك الحاجات تندلع المشكلة ويحتدم النقاش بين الفريقين (أهل العروس وأهل العريس) وان لم يوجد عقلاء تكون النهاية سيئة.. وفي حال إتمام العرس بعد شد وجذب يترك آثاراً واضحة على ملامح العروس التي يصفها البعض بأنها (مادة بوزها في الحفلة) والسبب هو رفض العريس دفع حق «الجدلة» أو فستان «الزفاف»، ويجلس الاثنان في الكوشة وهما يتبادلان نظرات العتاب بدلاً عن فرحة اللقاء .. إلاَّ أن ايقاع التطريب العالي ينتزع تلك «التكشيرة» ويسحبهما الى ساحة الرقص. فمن خمسينيات القرن الماضي الى الألفية الثالثة لم تتنازل حواء السودانية عن ما لديها عند العريس، بل تزيد في ذلك من أنماط تحمل في مضمونها «أدفع يا عريس». الخرطوم: سلمى سلامة