لو أن الولاياتالمتحدة تعرضت لما تعرض له السودان خلال العقود الأربعة السابقة (عقدان في القرن الماضي ومثلهما في الألفية الثالثة) لانهارت وتفرق أهلها.. ناهيك عن دولة من دول العالم الثالث تسعى بكل ما أوتيت من فكر وعزيمة وإيمان أن تخطوا بخطى ثابتة إلى الأمام، تبني نفسها.. ترعى فيها الحضارية.. تحترم جيرانها وتنتج المعايير الإنسانية والأخلاقية الموروثة لديها منذ عشرات الآلاف من السنين، كدولة قديمة لها أساس متين من الموروثات.. وهذا الإرث الإنساني هو الذي جعل من بلادنا بلاداً لكل الناس مفتوحة انصهرت فيها العناصر القادمة بهدف الأمان.. والعيش الكريم وصار مجتمعنا السوداني مجتمعا يقبل بالآخر ويحترمه ويرحب بالضعيف ويمنحه الأمن والأمان.. ويدخله بيته ويقاسمه اللغة. هذه المقومات تحفظ النسيج السوداني الأصيل ومن يريد أن يتحقق مما أقول فليقرأ تاريخ السودان الحقيقي وليس المنقوص أو المزيف، فإنه سوف يعلم أن معظم أهل السودان اليوم هم نتاج الهجرات التي جاءت في فترات مختلفة، إما عبوراً لأراضينا.. وإما طلباً للعلم.. وإما بحثاً عن الغذاء والثروات.. وكل يجد مبتغاه وطلبه.. وهكذا تكون المجتمع السوداني متنوع الثقافات.. متعدد الصفات والألوان، والجميع يعيش في أمن وأمان.. وحتى اليوم لسان حال القادمين إلى بلادنا يقول: القادم إلى السودان مولود ومجود (وأقول والخارج منه مفقود مفقود.. مفقود.. إما بتغيير فكره وثقافته وطبيعته وإما ببقائه خارجاً.. كارها لبلاد.. مستقطباً.. وقليلون منهم يعودون إلى بلدهم سالمين.. غانمين مهللين.. مشتاقين، فرحين بما آتاهم الله وأعادهم إلى أهلهم وذويهم. ولو كنت بمكان المبعوثين الأمريكيين للسودان من سفراء وموظفين لركنت إلى دراسة المجتمع السوداني طالما أن السياسة الأمريكية تهدف إلى التعاطي مع السودان، إنسانه وحيوانه وأرضه.. دراسة تاريخه لمعرفة عمق هذه الحضارة ومن أين يستمد الإنسان السوداني كل هذه العزيمة التي يقاوم بها الحصار الاقتصادي والسياسي الجائر كل هذه العزيمة التي يقاوم بها الحصار الاقتصادي والسياسي الجائر ومن أي مخزون حكمه ينهل قادة السودان وشيوخه وشبابه.. ومن أين لهم هذه القوة.. قوة العزيمة والعناد.. والتضحية والصمود في وجه المؤامرات الصهيونية.. هذه الصفات العجيبة مقارنة بما هو موجود في بقية شعوب العالم بما فيهم أمريكا نفسا.. ولو كنت مكانهم لأدخلت هذا السلوك من القوة والصمود في المعامل لدراسة الحمض النووي الذي يوجد في الإنسان السوداني.. وعندها كانوا سيعلمون أن الإنسان السوداني هو أول من وطأت أقدامه الدنيا الجديدة (أمريكا الجنوبية والشمالية)، وأن الكثير من اللغات الأمريكية اللاتينية تلتقي بمفرداتها وحركاتها وأصواتها مع اللغة النوبية القديمة ومنها اسم اللاعب المعجزة ميسي وقورتشين وبيليه وغيرها، بل إنهم احتفظوا بلونهم الأسمر طيلة هذه القرون. الشرق