"الإخوان" جربوا الحكم ولم يحصدوا حتى الآن سوى التهكم من الفشل في إدارة مصر. يقولون شيئًا ويفعلون نقيضه. حقًّا.. لم ينتبه مكتب إرشاد الجماعة بأن محاكم التفتيش "الإخوانية" جاءت لتسيء إلى الرئيس بشخصه ومنصبه أكثر من إساءتها إلى المتهم بالنقد أو المعارضة. (1) أثارت تغريدة على "تويتر" للسفارة الأميركية بالقاهرة غضب الرئاسة المصرية وجعلتها ترد بتغريدة تقول: "من غير اللائق أن تنخرط بعثة دبلوماسية في مثل هذه الدعاية السياسية السلبية". والتغريدة الأميركية تتعلق بقضية الإعلامي باسم يوسف المتهم بإهانة الرئيس مرسي والإسلام، وتكدير الأمن والسلم العام، والتقليل من قيمة رمز الدولة أمام المجتمع الدولي بتناوله بطريقة ساخرة. والتغريدة تضمنت مقطع "فيديو" من حلقة لبرنامج "ذي ديلي شو" يتناول فيه الإعلامي الأميركي جون ستيوارت، ملاحقة نظيره المصري باسم يوسف؛ وقد خصص جزءًا من حلقته لدعم "باسم" منتقدًا الرئيس مرسي لملاحقته فيما يترنح الاقتصاد المصري بين تراجع السياحة، وازدياد معدل البطالة، وتفاقم أزمة التحرش الجنسي بالنساء. واستنكر ستيوارت بسخريته المعهودة توجيه تهمة إهانة الرئيس إلى باسم يوسف، وأورد مقطعًا من مقابلة لمرسي نفسه مع شبكة "سي. إن. إن" يؤكد فيها الرئيس المصري أن بإمكان منتقديه وبينهم باسم يوسف أن ينتقدوه دون أن يخشوا أي ملاحقة! وبرنامج "ستيوارت" استوحى منه "باسم" فكرة برنامجه؛ ولذا لقبه الإعلام ب"جون ستيوارت المصري". (2) "إن هناك أكثر من 600 بلاغ قُدموا للنائب العام ضد صحفيين وإعلاميين، ولو تعامل النائب العام مع هذه البلاغات بسياسة الإخوان المعهودة فسيتم حبس ال600 صحفي". هذا ما قاله جمال فهمي وكيل نقابة الصحفيين؛ وهو مؤشر خطير في انخفاض سقف الحريات الصحفية بشكل غير مسبوق في تاريخ الإعلام المصري. وعلينا أن نعرف نظرة الإخوان المسلمين للإعلام المعارض لهم؛ فقد وصف المرشد العام لجماعة الإخوان الدكتور محمد بديع الإعلاميين بأنهم «سحرة فرعون».. ووصف أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط الإسلامي - صاحب التصريحات المثيرة - من أن المخابرات المصرية توظف البلطجية ضمن جهازها. وصف ماضي منتقديه بأنهم ب«خلايا نائمة في الإعلام». أليس هذا الكلام فيه نيل من الإعلاميين الذين يعارضون مرسي وجماعته ومن يدور في فلكهم؟ وما من شك في أن خطاب أي رئيس يعبر عن انتمائه، وأفكاره وطبيعة شخصيته وثقافته؛ خاصة لو خرج الرئيس بعفوية عن النص المكتوب. وعلينا أن نسمع جملًا تلقائية من خطابات الرئيس مرسي لنعرف كيف يفكر؟ مؤخرًا في القمة العربية في قطر قال على هامش حضوره القمة العربية: «أوعوا تفتكروا ال 10 أو 15 فردة كاوتش اللي في مصر، هذه حالة سيئة محصورة»، «لو مات القرد القرداتي يشتغل إيه؟» و«جراب الحاوي مليان يخرج لك حمامة»؛ «سأقطع إصبع من يضع إصبعه في شئون مصر، وسأكسر رقبة كل من يستخدم العنف»؛ «وقعة في ركبكم كلكم». هذه هي تلقائية الرئيس مرسي وتهديداته ورؤيته للمعارضين له. واللافت أيضًا ارتفاع نبرة التهديد التي بات يستخدمها الرئيس، ومنها تهديده لبعض معارضيه قبل أيام بقوله: «اللي طالع من السجن أول إمبارح لو فكر يتحرك خطوة فلن يناله إلا كل صرامة وشدة، اللي يحاول يتصل به من زبانيته القدامى فلن يكون هناك إلا كل صرامة وشدة، اللي يحاول يسافر عشان يقابل حد فلن يكون هناك إلا كل صرامة وشدة، ولن أسمح بغير ذلك، وسأقول لهذا الشعب ما يجري». وقال أيضًا: «اللي هيحط صباعه في داخل مصر هقطعه. هقطع الصباع ده. فأنا شايف صباعين تلاتة بيتمدوا جوه مصر من توافه ليس لهم قيمة في العالم، ويظنون أن المال يمكن أن يبني رجالًا، وهذا لا يمكن أبدًا ولن أسمح لهم بذلك». هل هذه اللغة بما فيها من تهديد تليق برئيس جمهورية؟ إنها لغة إنشائية عاجزة غير مقنعة أبدًا؛ بل تزيد الأمور توترًا وتشنجًا. باسم يوسف سر نجاح برنامجه هو الخطابات والكلمات الرئاسية، فهي مادة أساسية ومفصلية في البرنامج. إلى درجة أنه قال مرة: "شكرًا يا رئيس يا بطل برنامج 'البرنامج'. كل ما الدنيا تنزنق نلاقيك تقدم لنا الحل". فهل الخطابات الرئاسية ملكية خاصة للرئيس وجماعته وأي اقتباس أو تندر بها أو مقارنتها بخطابات وتصريحات سابقة للرئيس مرسي أو لمن سبقوه من الرؤساء يعرض من يفعل ذلك بالتجريم والمحاكمة. وأصبحنا أمام معضلتين حتى لا تنتقد كلمات الرئيس أمامها مخرجان. إما ألا يتكلم الرئيس حتى يكون بعيدًا عن فخاخ "سحرة فرعون". والحل الثاني هو تكميم أفواه من ينتقدون الكلمات الرئاسية المنزهة. وقد اختارت الرئاسة الحل الثاني. (3) وفي ظل المناخ المتوتر بين الإعلام والسلطة الحاكمة منذ أيام دعا وزير الإعلام الإخواني صلاح عبدالمقصود إلى مؤتمر لبحث تطوير الإعلام ووضع ميثاق شرف مهني. وعقد المؤتمر في ظل البلاغات القضائية المتتالية والحملات المستعرة ضد الإعلاميين، والتضييق على حرية الرأي والتعبير، وحصار مدينة الإنتاج الإعلامي، والاعتداء على إعلاميين. هذا المؤتمر كان غريبًا في توقيته وغايته؛ وخاصة عندما عرفنا أنه كان على رأس الحضور حازم صلاح أبو إسماعيل ولا نعرف بأي صفة حضر. هل حضر بصفته بطلًا من أبطال حصار مدينة الإنتاج الإعلامي؟ وما سبب حضور عاصم عبدالماجد القيادي بالجماعة الإسلامية الذي لا يتوقف عن تصريحاته الهجومية ضد الإعلاميين وتحريضه الدائم على الإعلام؟ وشاركت أيضًا في المؤتمر شخصيات أخرى لا علاقة لها بمهنة الإعلام؛ إنما علاقتها به علاقة تحريض ومعاداة. وكان المفترض أن يبحث المشاركون الأزمة بين الإعلام والنظام الحاكم والخروج بميثاق شرف إعلامي بعيدًا عن الوعيد والتهديد. لكن كيف يتحقق ذلك بمشاركة أعداء الإعلام؛ والداعي للمؤتمر هو وزير الإعلام؛ وهو واحد ممن ينتمون للإخوان ومؤسسة الحكم التي لا تؤمن بحرية الإعلام ولا حرية الفكر. وكانت النتيجة أن المؤتمر الغريب لم يخرج بشيء! والأزمة مستمرة. (4) ها هم الإخوان يجربون الحكم وتضيق صدورهم بالنقد والمعارضة. لن يحاسبهم البسطاء على إيمانهم ولا على خطبهم العنترية على المنابر وفي المؤتمرات الانتخابية. إنما سيحاسبون على سوء الإدارة، واستغلال السلطة، وتدهور الأوضاع على كافة مستوياتها المعيشية.. وتعليق ذلك على شماعة المعارضة والإعلام المضلل! د. خالد محمد غازي رئيس تحرير وكالة الصحافة العربية