اليوم وأنا أغادر الصيدلية بعد شراء حبوب (الاتكاند) للوقاية من الضغط، تتضاعف دهشتى لما شهده السودان من تدنّّ فى قيمه وعن سلوكياته وما تبعه من تحول فى أن يصبح العلاج الذى كان الاستعمار يوفره للمواطن بالمجان تتضاعف أسعاره بعد تحررنا منه بما أسميناه الاستقلال فأصبح أسوأ أنواع الاستغلال للمواطن حيث أصبح الدواء لا توفره الدولة للمواطن بالمجان كما كان فى عهد الاستعمار بل والأسوأ من ذلك أن أسعاره تتضاعف كل شهر حتى أن حبوب الضغط ظلت تتصاعد خلال بضعة أشهر فقط من أربعين ألف جنيه لمائة وخمسين ألفاً اليوم بزيادة لا تقل عن ثلاثين ألفاً كل شهر وهذا حال كل الأدوية بل وغيرها من احتياجات المواطن وعلى رأسها التعليم ولكن دهشتى تضاعفت عندما استعادت ذاكرتى أن أفضل نجوم كرة القدم فى تاريخ السودان والذين أجزلوا العطاء ورفعوا رايته خارجياً على مستوى المنتخبات والأندية مقارنة بواقعنا اليوم كانوا ينتمون لأنديتهم بالمجان وبأقل تكلفة عن حالنا اليوم عندما فرض المال نفسه ولازلت أذكركيف أن أقوى المعارك بين الهلال والمريخ فى قضية نجمين من أبرز نجوم الملعب شطب الدحيش وتسجيل جعفر عبدالرازق للهلال والتى ضربت تكلفة تسجيله رقما قياسيا ماديا فى نهاية السبعينات حيث بلغت تكلفة تسجيله للهلال خمسة آلاف جنيه أي خمسة جنيهات فقط بحساب الجنيه اليوم، بينما تبلغ اليوم تكلفة تسجيلات أفشل اللاعبين للهلال والمريخ مايتعدى مليارات الجنيهات مع أن عهد المليارات شكل أكثر فترات الكرة السودانية تدنيًا فى المستوى وفشلاً فى الظهور المشرف فى البطولات الخارجية على مستوى المنتخبات والأندية. فإن كان هذا ما لحق بكرة القدم فكيف لا يهيمن المال على كل نواحى الحياة فى السودان ويهبط بمستواها فى ذات الوقت رغم ما تتكلفه من مال مع تدنى المستوى نوعياً فى كافة محالات الحياة. لهذا كيف لا تقتلنا الحيرة إذا قارنا حال السودان قبل وبعد طرد الإنجليز. المعذرة إذا رأيت نفسى مجبراً لأطرح على نفسى سؤالاً وأحسب أن كل مواطنى السودان وشعبه يوجهون نفس السؤال بعيداً عن السياسة وهوسها لأنه ليس لنا أن نهرب من مواجهة الحقيقة كمواطنين : (فإلى أين انتهى بنا السودان بعد أن طردنا منه الاستعمار الإنجليزى الذى كان يحكمنا واستبدلناه طواعية وبإرادتنا باستقلال أخطر نتائجه أن نصبح مستعمرين للجنيه الإنجليزى والدولار فهل نصدق أن جنيهنا يوم كنا مستعمرين من قبلهم كان أعلى من جنيه من استعمرونا وأصبحوا أسيادنا حيث كان الجنيه الانجليزى أقل من جنيهنا (بقرشين ونصف) ولما طردناهم وأصبحنا أحراراً تحت ما أسميناه الاستقلال المزعوم جعلنا جنيهم هو الذى يستعمرنا حيث أصبح يساوى ما يفوق الثلاثين ألف جنيه سودانى وهو الذى كان أقل من جنيهنا يوم كنا مستعمرين لهم. ألا ترون أنه كان أفضل لنا كسودانيين أن نبقى مستعمرين لهم ويبقى جنيهنا مصدرعيشتنا أعلى من قيمة جنيههم بدلا من نباهى بالتحرر وليصبح جنيههم هو الذى يستعمر جنيهنا فأيهما كان أفضل لشعب السودان والذى تمثلت أسوأ نتائجه هذا التدنى فى كل مستويات البلد بعد أن استبدلنا الاستعمار الإنجليزى لنا بان يستعمرالجنيه الإسترلينى جنيهنا مصدر حياتنا. بالطبع كرتنا السودانية ليست استثناءً فلقد أصبح إهدار للمليارات دون أي إنجازات خارجية للسودان على كل المستويات منتخبات وأندية بعد أن أصبحت سلعة اللاعبين مضروبة كما هو حال كل الخدمات واحتياجات المواطن. \\\ نجيلة