الحلقة-2- حمدت الله أن عاد بي الزمن لأتذكر أنني درست علم الإحصاء إلا أنني أحسست اليوم أنني بحاجة له لأن الأرقام عندما تتحدث تخرس اللسان عندما يطول بلا سند أو منطق أو لغرض ونحن اليوم بحاجة للأرقام حول أولمبياد لندن حتى ندرك حجمنا وأن الإنجازات لا تحقق إلا بالاهتمام والمال والتخطيط العلمي ولا تقوم على الصدف ولغياب هذه المقومات فمكاننا الطبيعي صفر كبير على الشمال، لهذا اعذرني عزيزي القارئ إن خرجت عن المألوف لأترك الأرقام تتحدث وبعدها فليعرف المهرجون كيف أنهم في ضلالهم سابحون وظالمون لأن ما يحققه لاعبونا هو خروج عن المألوف والمنطق. دعوني أولاً أتوقف أمام محطة كينيا والتي احتكرت مركزين من المراكز الثلاثة في سباق الثمامائة متر في بكين واحتفظت بهما في لندن ولكن لا بد وقفة أمام ما حققته كينيا من تطور في المستوى في لندن مقارنة ببكين الأمر الذي يؤكد حسن التخطيط والاهتمام وتطوير المعينات مادياً وفنياً حيث أن أرقامهم تؤكد أن الفارق في المستوى بين بكينولندن شاسع حيث كانت منافسة لندن أقوى كثيراً من بكين ومع ذلك احتفظت كينيا بالمركزين وبلاعبين مختلفين مما يؤكد لأي مدى أنهم يحسنون التخطيط. ولعل ما سأورده من مقارنة بين أرقام بكينولندن في سباق الثمانمائة متر سيحمل مفاجأة مذهلة من العيار الثقيل للحادبين والجادين لمعرفة الموقف بصورة علمية ليتبينوا كيف يظلمون البطل كاكي. فالرقم الذي حققه كاكي في لندن كان كفيل بأن يحقق له ذهبية بكين التي نتغنى بها حيث أن كاكي حقق في لندن المركز السابع برقم 1-43-20 بينما الذي حقق الذهبية في بكين وهو ويل فرو من كينيا كان رقمه 1-44-65 وبهذا فإن رقم كاكي الذي حل به سابعاً يتفوق على صاحب ذهبية بكين بواحد ثانية و45 جزءاً من الثانية، أي ما يعادل ثانية ونصف، كما أنه ينفوق على رقم البطل إسماعيل صاحب الفضية الوحيدة في تاريخ السودان بأكثر من ثانية ونصف حيث حقق إسماعيل الفضية برقم 1-44-70وهذا ليس تقليلاً لما حققه إسماعيل ولكنه دلالة على قوة المنافسة في لندن مقارنة ببكين الأمر الذي يؤكد أن بطلنا كاكي قدم أداءً أفضل في لندن ووسط منافسة شرسة بكل المقاييس، كما أشرت في مقالة سابقة الأمر الذي يؤكد الطفرة التي تحققت بين 2008 و2012 تؤكد ذلك أرقام كينيا التي حققت أيضاً ميداليتي لندن ولكن بلاعبين مختلفين وبأرقام قياسية يتفوق فيها صاحب ذهبية لندن روديشا على ذهبية بكين بما يزيد عن ثلاث ثواني حيث نال روديشا رقم1-40-91 مما يعطي مؤشراً واضحاً فيما حققته كينيا من طفرة في المستوى خلال السنوات الأربع بعد بكين وبلاعب مختلف وهكذا الحال مع الكيني الثاني الذي حقق الببرونزية في نفس البطولة, ولعل المفارقة الأكبر التي توضحها أرقام لندن مقارنة بأرقام بكين أن الذين تذيلوا قاع المنافسة في لندن في المراكز الثلاثة الأخيرة والذين حل بينهم كاكي في المركز قبل الأخير فإن الثلاثة الذين احتلوا طيش مجموعة لندن لو أن أرقامهم هذه حققوها في بكين لاستحقوا الميداليات الثلاث ولتقاسموا الميداليات ولنترك الأرقام تتحدث: ذهبية بكين تحققت برقم 1-44-65 ثم فضية بكين وكانت للبطل إسماعيل برقم 1-44-70 ثم البرونزية برقم 1-44-82 إذن تعالوا لنرى أرقام أصحاب المراكز الثلاثة الأخيرة في لندن وبينهم كاكي حيث كانت: سادس المجموعة أمام إثيوبيا برقم 1-43-20 ثم سابع المجموعة كاكي برقم 1-43-32 وأخيراً طيش المجموعة أندرو البريطاني برقم 1043-77 إذن بمقارنة المجموعتين فإن الثلاثة الذين تذيلوا لندن لاستحقوا المراكز الأولى الثلاثة في بكين، بل ولا استحق أي منهم ذهبية بكين برقمه (وتحقيق ذهبية واحدة ينقل الدولة للمركز الخمسين في لندن كما حدث ليوغندا والجزائر فيوغندا كانت غائبة حتى آخر يوم والسابعة ولكنها بذهبية المارثون انتقلت للمركز الخمسين بين الناجحين في لندن) وهنا يتضح لنا الفارق في المستوى الذي شهده التطور خلال أربع سنوات ويرجع بالطبع لمضاعفة الاهتمام والاستعداد، بينما نحن وباعتراف كل الأطراف فإن مستوى الاهتمام من الدولة هبط هبوطاً حاداً للعدم بين بكينولندن لأسباب عديدة أهمها الظروف الاقتصادية والانشغال بكرة القدم وانعدام المال بما يقل عن دورة بكين بأكثر من ثمانين في المائة ويا لها من مفاراقة فرغم ذلك حقق كاكي رقماً أفضل في لندن حيث حقق 1-43-32 وهو رقم كان كفيل بتحقيق ذهبية بكين! فوسط كل التوقعات والمؤشرات على أن كاكي يفترض أن يهبط رقمه دون مستوى بكين فإنه حقق رقماً أفضل في لندن وأفضل من رقم إسماعيل الذي حقق الفضية ولولا قوة المافسة والتطور الذي شهدته الدول المنافسة وعلى رأسها كينيا لاستحق مركزاً أفضل لو أن الأرقام بقيت على مستوى بكين ولكن على العكس فقد شهدت الدول تطوراً ملموساً في المستوى لما أولته من اهتمام بترقية مستوى لاعبيها فأين نحن من هذا؟ ولأنني أعلم أن حديث الأرقام ربما يكون ثقيلاً على القارئ أكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة ولكن لا يزال للأرقام الكثير لتقوله وكونوا معي في الحلقة القادمة..