مساء الخميس الماضي وبدعوة من الأخ عصام عبدالله حامد المسؤول عن الكرة الخماسية بالاتحاد كنت حضوراً بصالة هاشم ضيف الله لنهائيات البطولة بين فريقي أكاديمية الشباب ومنتدى كوورة.. وكان لقاء دسماً عالي المستوى.. فنياً أبدع فيه شباب الفريقين وإن كان هناك ما يلفت النظر فيه غياب الجمهور عنه وغياب الأجهزة الإعلامية خاصة القنوات الفضائية كما أن اللقاء كما هو حال كرة القدم انتهى بالاحتكاك مع الحكم كالعادة (من خلى عادته قلت سعادته) وليت القائمين على الأمر ينتبهوا لهذه الظاهرة حتى لا ينشأ شبابنا على درب الكبار حقيقة وجدت نفسي وأنا أتابع هذا اللقاء خاصة وأن المشهد أمامي بصالة هاشم ضيف الله يحمل خلفية ملعب السلة تقف أعمدته خلف مرمى الخماسيات وعادت بي الذاكرة لمنتصف الخمسينات ورحت أسترجع ذلك اليوم ويا له من يوم لو لم يكن صاحبه سودانياً ولو كان أوروبياً لخلد العالم اسمه في التاريخ كصاحب أول فكرة لرياضة الخماسيات التي لم يكن يعرفها العالم في ذلك الوقت من منتصف القرن الماضي. كنت يومها ألعب بفريق كرة السلة بتوتي وبالمناسبة تدرجت يومها في أول دفعة لحكام كرة السلة وكان عددنا خمسة فقط. وكان الأستاذ بشير عبدالله وهو فنان مبدع وعازف ممتاز ولكنه كان لاعب سلة مميز وكابتناً للفريق ومدربه بلغة العصر وفجأة وفي ذات يوم طرأت له فكرة غريبة عندما قرر أن يضع ضمن برنامجه لإعداد لياقة اللاعبين أن يوظف ملعب السلة ملعب كرة قدم وأن يوجه نفس تقسيمة لاعبي السلة المكونة من خمسة لاعبين في كل جانب ليلعبوا مباريات تنافسية في كرة القدم على ملعب السلة وكان دافعه كما أوضح أن يكسب اللاعبون مزيداً من اللياقة واستخدم قوائم ملعب السلة كمرمى ثم طور الفكرة واستخدم مرمى صغير لا يتعدى عرضه ثلاثة أقدام وارتفاعه لا يزيد عن قدمين وأحاطه بشباك وقصد بذلك تجنب لعب الكرات العالية والتركيز على التمريرات القصيرة واللعب الأرضي، وكان المرمى صورة مصغرة لمرمى كرة القدم بما يتناسب وحجم ملعب السلة الذي حوله لمنافسات كرة القدم كإعداد يسبق تمارين السلة وكانت المفاجأة أن الفكرة استهوت عشاق كرة القدم في توتي فانتشرت فرق الخماسية من غير لاعبي السلة ليلعبوا منافسات منتظمة من أبناء كل حي في توتي حتى لم يعد يخلُ يوم من مباريات تنافسية وانتقل الأمر لملاعب في حجم ملعب السلة ومن المفارقات أن البعض أطلق على هذا النشاط اسم (المدرسة) وهكذا أصبح اسمها. اتسع هذا النشاط واستمر لعدة سنوات نشاطاً مرغوباً على مستوى توتي إلى أن توقف في نهاية الأمر وأصبح ظاهرة عبرت وطواها التاريخ. كان هذا هو الأستاذ بشير عبدالله أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية ولكن هل كان بشير يومها يعلم أن هذه الفكرة ستولد في العالم وتصبح نشاطاً وبطولة عالمية على هذا النحو الذي تطورت فيه رياضة الخماسيات وعلى نفس النهج وبنفس عدد اللاعبين لتصبح الخماسيات رياضة عالمية وتجد طريقها للسودان (مستوردة) وأنها أخذت الكثير من كرة السلة ولو كان بشير يعلم هذا لسجل الفكرة لدى المصنفات ولما ضاع حقه الأدبي. العالم كله يذكر ويحفظ فكرة الأولمبياد لصاحبها بيير دي كوبرتان ويذكر للإنجليز حقهم في كرة القدم ولكن لا أحد يذكر هذا الرجل المبدع الذي كان صاحب فكرة الخماسيات وليذكر بها السودان ولكن لا أحد يذكره أو يحفظ له حقه الأدبي ولو أنه كان أوروبياً لما ضاع حقه الأدبي! حقيقة من هنا أدعو الأهل بتوتي وبصفة خاصة مركز التوثيق وأدعو القائمين على رياضة الخماسيات أن يردوا هذا الحق لصاحبه وأن يوثق له وقد تحدثت في هذا الأمر مع الأخ عصام عبدالله حامد وأكد لي استعدادهم للمشاركة في تكريمه ويا ليتهم ينظموا بطولة تحمل اسمه عليها كأس يحمل تاريخ الفكرة حتى يعرف العالم أن السودان كان أسبق في الخماسيات ويقيني أن حديثي هذا عنه سيكون مفاجئاً له ولمن بقي على قيد الحياة من الذين عاصروا تلك الفترة فالتحية لك الأستاذ بشير عبدالله أطال الله عمرك ومتعك بالصحة والعافية. وليت واحدة من قنواتنا الفضائة توثق لهذا الحدث لربما نسمع العالم أن هذه الخماسيات منشؤها السودان وصاحب فكرتها هو الأستاذ بشير عبدالله وهذا أقل ما نعمله لنرد له بعض حقه الأدبي وإن كنت أعلم أن صوتنا لن يسمع العالم ما نريد لأن صوت أوروبا هو الأعلى وأنه لا أحد منهم يصدق أن هذا الرجل وأن دولة كالسودان كانت أسبق منهم في هذه الفكرة. خارج النص: وبهذه المناسبة هناك شخصية أخرى لا بد أن أذكرها بهذه المناسبة وهو الأستاذ المربي والكابتن الزبير عثمان وهو واحد من أميز لاعبي كرة القدم في وظيفة الجناح الأيسر في العصر الذهبي وعجباً، فقد كان عازفاً ممتازاً وقد لعب دوراً كبيراً في تقديم رحمة الله عليه الفنان الأسطورة خضر بشير حيث قدمه في سنواته الأولى عازفاً له ولم يكن خضر يؤدي حفلة إلا بصحبته فقد كان للزبير أيضاً سجلاً في الإبداع الرياضي فهو أول من دفع بهواة الكرة أن يلعبوا على رمال شواطئ توتي ناحية الخرطوم بحري وذهب أبعد من ذلك عندما طور الفكرة بأن يمتد ملعب الرمال ليكون نصفه في الرمال والنصف الثانى في النيل، وكان بارعاً في مواصلة اللعب داخل المياه وكان لابد أن أسجل له هذه الفكرة ربما يخرج علينا العالم غداً بالكرة البر مائية نصفها في الرمال على الشاطئ والنصف الآخر في المياه بعد أن أصبحت الرياضة الشاطئية بطولة رسمية وهذا للتاريخ والحمد لله في عهد النت سيبقى حقه موثقاً لأن النت لا يظلم صاحب حق وقوقل موجودة.