_الرياض [email protected] لم تعد كرة القدم مجرد هواية، أو رياضة يمارسها المحترفون والهواة، بل صارت "صناعة" بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى؛ فهي رياضة واستثمار وعمل لبعض الأفراد والمؤسسات، ولهذا فقد صارت تحتل مكانة مرموقة في كثير من بلدان العالم.وأصبح لكرة القدم دور متعاظم اجتماعياً، وثقافياً وسط الجمهور؛سيما وأنها تمثل متنفساً للشباب والشيب.في السودان عرف الناس كرة القدم منذ وقت مبكر وعرفت المدن السودانية، خاصة العاصمة المثلثة ظهور أندية الرياضة منذ النصف الأول من القرن الماضي في أم درمان ومنها انتشرت إلى المدن الأخرى، والأرياف. بشكل عام كانت الأندية أماكن التقاء لفئات مختلفة من الناس، وخاصة الخريجين، ولذلك لعبت تلك الأندية دوراً رائداً في بلورة العمل الاجتماعي، وساهمت في تطور الوعي الثقافي، وربما السياسي، والفني والأدبي، في أوساط الشعب السوداني،وبالتالي حازت اهتمام الكثيرين من كبار رجال الدولة وقادة المجتمع والزعماء، والرأسمالية الوطنية، تشجيعاً ودعماً ومساندة، بالحضور والمشاركة في الفعاليات. في المقابل، كثيراً ما نسمع عن إقامة دورة رياضية دعماً لمشروع خيري،أو لجهة تعمل في المجال الإنساني أو الاجتماعي،ولذلك نستطيع القول بأن الرياضة في السودان، وخاصة كرة القدم،ظلت تشارك في الحياة الاجتماعية بأكثر من طريقة. كما لعبت الرياضة دوراً رائداً في الحركة الوطنية؛ بابتعادها عن الجهوية والقبلية،ولذلك أسهمت في بناء الهوية السودانية أكثر مما فعلت الأحزاب، وهذا، بلا أدنى أشك، عمل حضاري يستحق التأييد والإشادة. ضمن هذا الإطار، وصل لاعب الفريق القومي، ولاعب فريق الهلال (سيد البلد)، مدثر الطيب، الملقب بكاريكا، في زيارة لأصهاره في منطقة دميرة بمحلية بارا، في ولاية شمال كردفان، وسط حفاوة غامرة وتكريم مستحق لهذا اللاعب المتميز رياضياً، وسلوكياً، حتى حاز تقدير واحترام جماهير الرياضة، والمهتمين والمتابعين لكرة القدم في أنحاء البلاد كافة؛ فهو رجل أقل ما يقال عنه أنه (ود قبائل فنجري وعرضان).وفي لفتة بارعة شارك النجم الرياضي المشهور في مباراة أقيمت في ملعب قرية دميرة، ضمن المهرجان الرياضي الذي نظمه شباب المنطقة، احتفاءً وتكريماً لهذا الضيف الرياضي الكبير، وسط حضور مميز، ومشاركة فعّالة، من كل المهتمين بالرياضة من القرى المجاورة، خاصة القاعة، وشرشار، وأم سعدون، والأصفر وغيرها من القرى في المنطقة.وقد شرَف اللقاء والتكريم الشيخ عيسى التجاني عمر قش،وكيل إمارة دار حامد، وجمع غفير من قيادات العمل العام، وشباب المنطقة. وبكل تأكيد، يعد هذا الحدث من الفرص النادرة حيث لعب شباب المنطقة، وجهاً لوجه، مع أحد أكبر اللاعبين في تأريخ كرة القدم في السودان، الأمر الذي سيظل ماثلاً في ذاكرة شباب المنطقة، وقد يحفزهم لمزيد من الحماس الرياضي، ويولّد في نفوسهم الرغبة الأكيدة للمشاركة في المجال الرياضي مستقبلاً،لأن مثل هذه الأحداث الرياضية لا يمكن أن تمر بدون ترك تأثير في نفوس الذين يشاهدون مثل هذه الفعاليات. كما يعد الحدث تواصلاً اجتماعياً له دلالات ثقافية وحضارية، سيما في هذه الآونة التي يمر فيها السودان بفترة تحول كبير في كافة المجالات، خاصة في وسط الشباب الذي صار يتعامل مع أجهزة الاتصال من هاتف محمول، وحاسب آلي بشكل متزايد، مما يضيق المسافات، ويسهل عملية التواصل وتبادل المعلومات بكل يسر ودقة. وضمن زيارته لشمال كردفان كان اللاعب الدولي كاريكا محل تكريم وحفاوة من جماهير الهلال والوسط الرياضي عموماً في عروس الرمال، حاضرة الولاية ، فقد (أقامت مدينة الأبيض،حفل تكريم لنجم خط هجوم، منتخبنا الوطني، والهلال الدولي مدثر كاريكا الذي زار المدينة،في الآونة الأخيرة، والتقي به عدد من الأقطاب الرياضيين، الهلالاب، بملعب الخماسيات في احتفال رائع، تدافع له الرياضيون بصورة تلقائية وشهد الملعب حضوراً جماهيرياً كبيراً حيث تم تكريم اللاعب من قبل الأهلة بالأبيض بوشاحات وشهادات تقديرية وهدايا تذكارية، كرد جميل لعطائه الرائع في الملاعب مع المنتخب والهلال، والمستوي العالي، الذي ظل يقدمه مع صقور الجديان، ومشاركاته في أعمال إنسانية جميلة في الملاعب المختلفة، أخرها الشعار الذي رفعه "لا للإساءة لرسول الله صلي الله عليه وسلم، الذي وجد تأييداً كبيراً وسط المسلمين.وشكر كاريكا أهالي مدينة الأبيض، والأهلة علي وجه الخصوص، وقال: إن الأبيض مدينة تتنفس كرة القدم، وسكانها ملهمون بالساحرة المستديرة). وتكرر ذات المشهد في مدينة بارا التي استقبلت اللاعب الكبير بكل ترحاب وحفاوة. وهذا الخبر يقودنا للحديث عن الحركة الإبداعية والرياضية والثقافية في شمال كردفان بشكل عام. فقد أهدت هذه الولاية للوطن مبدعين كبار من أمثال محمد عوض الكريم القرشي، وعثمان خالد في مجال الشعر والأغنية، وعبد القادر سالم الموسيقار المعروف، وحافظ عبد الرحمن العازف الذي لا يشق له غبار، ومن اللاعبين فتحي فرج الله، وتنقا، وخليفة أحمد، وغيرهم كثر،إلا أن حركة الإبداع في شمال كردفان، أصابها شيء من الإهمال والتردي الذي ضرب هذه الولاية المسكينة، فلم نعد نسمع عن مريخ ولا هلال الأبيض، إلا لماماً، وسكت مطرب الجماهير عبد الفتاح الذي عطّر سماوات الأبيض بأغنية ( يا سلوى وين وحياة قلبي المعذب بيك). أما مسرح عروس الرمال فقد عشش فيه البؤس، بعد أن كانت فرقة فنون كردفان ملئ السمع والبصر، وقدمت مطربين كبار منهم من قضى نحبه، ولا يزال بعضهم يحمل الراية. وفي الشأن الثقافي لا بد من ذكر أستاذ الأجيال الفاتح النور، مؤسس الدرة الفريدة "جريدة كردفان"، أول صحيفة إقليمية في السودان، وقد كان لها السبق الصحفي في أكثر من مناسبة ولكنها توقفت عن الصدور ضمن ما حل بهذه الولاية من تدهور في المجلات كافة.وتجدر الإشارة هنا إلى الدور العظيم الذي قامت به بيوت العلم والدين من نشر للثقافة وتشجيع للأدب مثل السادة أحفاد الشيخ سوار الدهب، والسادة أحفاد إسماعيل الولي، والدواليب في خرسي.أما زريبة الشيخ البرعي، وما أرتبط بها من مدائح نبوية، فقد كان لها القدح المعلى في الحراك الثقافي في السنوات الأخيرة.من جانبها، كانت المدارس الثانوية (خور طقت، والأبيض بنين وبنات)، تشهد حراكاً أدبياً وثقافياً ورياضياً رائعاً، وتخرج فيها بعض كبار أدباء ومفكري ورياضيي السودان، و كان لها دور طليعي في الثقافة والرياضة في الولاية، ولكن ماذا دهاها ياترى؟ ولهذا نطالب القائمين على الشأن الرياضي والثقافي في الولاية بتشجيع هذه المجالات الإبداعية، حتى تستعيد شمال كردفان عافيتها ثقافياً ورياضياً،ويعود لها ما كان يعرف عنها من تألق وإسهام، لعلمنا أنها تذخر بمواهب واعدة، ومبدعين كثر؛ بإقامة مهرجان عروس الرمال الثقافي الرياضي، فيا ليت أن إتحاد طلاب جامعة كردفان يتبنى هذه الفكرة، بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة.