أغرب تصريح اطلعت عليه في الصحف أن يعلن مدرب المريخ المحترف أنه يراهن على الجمهور ليحسم معركة مازيمبي ولو أن مثل هذا التصريح صدر عن غيره أو عن الإداريين أو روابط المشجعين من باب الدعاية لدورهم لوجدنا العذر والمبررات أما أن يصدر عن أعلى جهة فنية مسؤولة عن الفريق وبحكم موقعه ومؤهلاته فهو يعلم أن دور الجمهور عامة تقلص في عهد الاحتراف ويعلم أن الاعتماد أولاً وأخيراً على الجهاز الفني الذي يقف على رأسه وقدرته على إعداد الفريق بدنياً ونفسياً وفنياً وعلى قدرته على التعامل مع المباراة بعد أن وقف على قدرات لاعبيه وقدرات خصمه وكيفية التعامل مع مباراة يتمتع فيها خصم بفرص أكبر منه فكيف يكون اعتماده على الجمهور . أما الأهم من هذا كله فحتى لو افترضنا أن الجمهور يمكن أن يشكل عاملاً حاسماً فإن الجمهور السوداني استثناء من هذه القاعدة كما أثبتت الأحداث حتى عندما كان الجمهور يشكل عاملاً قوياً قبل الاحتراف لأن الجمهور السوداني لا يشجع فريقه عندما يكون بحاجة له وإنما يشجعه عندما لا يكون بحاجة له فهو جمهور إما أن يفرح ويهلل له إن كان متقدماً أو ينقلب عليه إن كان بحاجة له فملاعبنا تعرف أن جمهورنا نفسه ينقلب عاملاً سالباً يصب لمصلحة الخصم متى واجه ضعفاً للفريق فهو ليس الجمهور الذي يقلب الأوضاع وإنما يتعامل معها بصورة سالبة تصب لصالح الخصم. جمهورنا يصمت عن التشجيع عندما يحتاجه الفريق وينقلب ضد فريقه عندما يحس بتفوق الخصم عليه وتتصاعد صيحاته بشتم اللاعبين حتى أثناء المباراة لهذا فهو جمهور يريد فريقه متفوقاً ومنتصراً من البداية ولا يدرك حوجة اللاعب له عندما يتفوق عليه خصمه فشتان بين جمهورنا والجمهور الذي يلعب دوراً إيجابيا لفريقه وها هو الهلال على أرضه ووسط جمهوره تعرض لموقف أصعب مع خصم دون مستوى مازيمبي فهل رأيتم جمهوراً كان داعماً لفريقه وقت الحاجة إليه أم انه انقلب خصماً عليه عند الحاجة له أثناء المباراة عندما أحس بتدني المستوى، أما بعد المباراة فحدث ولا حرج دون أن يعي هذا الجمهور أن هناك مباراة حاسمة معلقة وهو الآن في حالة خصومة محبطة لفريقه على كل المستويات الإدارية والفنية وعلى مستوى اللاعبين الذين عادوا لمنازلهم تحت حراسة الشرطة فأين سلوك الجمهور بعد أن لاحقتهم كل الهتافات المسيئة لهم وهناك مباراة مصيرية معلقة. فلمصلحة من كان الجمهور هذا هو حال جمهورنا فهل يعلق مدرب المريخ آماله على جمهور لن يمكنه من مغادرة الملعب الا تحت حراسة الشرطة وسيسمع منه ما لا يخطر على باله أثناء المباراة متى أحس الجمهور بضعف فريقه أو لاح له خطر الخسارة فإنه وقتها بدلاً من أن يجد جمهوراً يخرجه من عثرته فإنه سيسمع الهتافات المضادة له وإدارته والمباراة لا تزال داخل الملعب. شخصياً أرى أن الفريق سيكون بحالة أفضل لو أن الفريق لعب بدون جمهور فاللاعب وقتها لن يكون تحت الضغط النفسي إرهاب الجمهور الذي يسمعه أقبح الألفاظ وهو داخل الملعب وتهتز دواخله كيف سيهرب من غضبة هذا الجمهور إذا لم يخرج فائزاً وإذا لم يوفق ويحدث هذا في أكثر الأوقات حرجاً له مع نهايات المباراة والتي تعتبر الحاسمة فكيف للاعب هذه نفسياته أن يشكل حضوراً فاعلاً في المباراة وكيف لجمهور هذا حاله أن يكون عاملاً مساعداً وليس خصماً. هذا الجمهور سيحقق عائداً مادياً للفريق نعم، أما أن يكون له دور إيجابي فالأرجح أن يلعب دوره السالب لصالح الخصم إذا كان مدركاً لطبيعة هذا الجمهور وهو بالطبع يعرف ذلك لأنه ليس غريباً على الملاعب السودانية والفرق السودانية. إذ يكفيه أن يشعر الجمهور بالخطر ليخرس صوته ولتحييده ثم ليوجهه لحسابه أما روابط المشجعين فحدث ولا حرج فهي جزء من هذا الجمهور بكل سوالبه ولا تدرك أن دورها أن تحرك الجمهور لدعمه عند الحاجة إليه لا أن تكون شريكة في الفرحة عندما لا يحتاجها الفريق واللاعب. أذكر أننا كنا مجموعة من الصحفيين في المغرب في نهائيات الأمم الأفريقية وكان أهم ما لفت نظرنا أن فرق التشجيع المنظمة التي وصلت المغرب مساندة لفريقها أنها وبمعداتها الموسيقية انطلقت بقوة واحدة من البداية وكانت تضاعفها كلما أشار لها قائدها أن ترفع الإيقاع لحاجة فريقها ولكن اللافت يومها أن فرقة المشجعين لم تكن تتابع المباريات وإنما تعطي (ظهرها للملعب) ويبقى قائدها المايسترو وحده يتابع المباراة ويعطي الإشارة للفرقة لتضاعف من التشجيع عندما يحس بأن فريقه في خطر فهل نملك روابط بهذا المستوى. الجمهور يدفع مالاً نعم، أما أن يكون عاملاً مهماً فلا وألف لا وكلما أقوله للاعبين في أن هذا يوم الإعلان عن سلعتهم في سوق الاحتراف إذا كان لديهم الطموح وهذا هو وحده الطريق لنرى يوماً لاعباً سودانياً في برشلونة أو ريال مدريد فتكسب ويكسب فريقك وتكسب الدولة التي تنتمي إليها.