حسي المهني يدفعني دفعاً، ويحث قلمي ليدوِّن عن قضية تشغل بالنا جميعا (صناعة الانسان)! أم أن تجد مشاعري حيزاً بزاويتك المقروءة (نمريات) رغم الزحام. حشد من حملة الاقلام، غلب عليهم الجنس اللطيف. جاءوا بألقابهم وأزيائهم المزركشة المموسقة، ويتقدم قافلتهم شيوخ القبيلة بأرديتهم القومية البيضاء المنمقة: عبد الله عبيد، د. الباقر احمد، عبد الله، نور الدين مدني، صلاح عمر الشيخ، وحسين خوجلي الذي حاز على كأس التألق والتأنق، كنت حاضراً معهم لدعوة كريمة جاءتني عبر همسة فرح إخترقت اذني من الشاب المبدع إعلامي ولاية الخرطوم: الطيب سعد الدين. جاء جمعنا بكامل العدة والعتاد، لننصت بشغف وإمعان للأخ عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم، والفريق محمد الحافظ مدير الشرطة بالولاية وهما يشنفان آذاننا بأعذب الحديث. حديث مكتظ بالبشريات والآمال والطموحات حديث له جاذبية، وكله يدور حول تأمين حياة إنسان الولاية، حتى ينعم ويسعد بولاية كلها أمن واطمئنان. فهناك جهد.. وهناك بذل.. وهناك عطاء لمسناه من العرض التوثيقي الرائع والسرد الثر والجاد للاخ د. الخضر واركان حربه. طرح زينته الارقام والصور الماثلة أمامنا، فهذا مسلك حميد درج عليه الاخ الوالي لتنوير السلطة الرابعة، بما يجري وما أنجز.كنت اتطلع وأتوق لعقد مؤتمر صحافي مماثل يسبق هذا لاحاطتنا بما يدور في أروقة مؤسساتنا التعليمية بعد إنقضاء قرابة الشهر لبدء العام الدراسي وحتى نجد إجابة لاسئلة تدور بالذاكرة: هل إستلمت مدارسنا حصصها من الكتب المدرسية؟ وهل توفر الإجلاس؟ وهل طبق قرار مجانية التعليم؟ أخي الوالي: انت تعلم أن التعليم لا يقل ضرورة وأهمية للحياة عن الماء والهواء، ولكن خلال مسيرته المتعثرة، ألهبت ظهره سياط الإهمال والإندثار، واصبح يئن من جراح غائرة وتتجاذبه مخاطر ومشاكل كأداء؟ ولن يلحق التعليم بقطار الإصلاح والتغيير، ما لم يحظ بالتفاتة من الدولة وذلك بإيقاظ وإنعاش الإرادة السياسية ليصبح أولوية، ويتدفق عليه التمويل ليصنع الانسان السوداني السوي، إنسان الغد، ليحقق التنمية والاستقرار والنماء والرخاء، وتسترد البلاد عافيتها خطوة موفقة منك لاحت بالافق بقرارك بتوفير معينات المعرفة لصناعة الانسان: الكتاب، والاجلاس، والمعلم المؤهل المتدرب وسد نافذة تحصيل الرسوم، ولكن هل نفدت هذه القرارات؟ قرارات تفتقد لآلية المتابعة والمراقبة علمت أن هنالك مدارس لم تصلها الكتب والاجلاس، ولجأت بعضها للشراء من السوق. كما أن قرار مجانية التعليم والذي نادى به الرئيس أصبح تعبث به رياح النسيان! فهل تعلم أخي الوالي أن هناك إدارة مدرسة أساس نموذجية وبامدرمان تفرض رسماً مالياً قدره ثلاثة مليون بالقديم عند القبول، ولن يستلم الطلاب القدامى كتبهم إلا بعد تسديد الرسوم؟ بآلية تربوية مؤهلة يمكن الحد من هذا العبث في أهم مفصل للتربية. المدرسة مصنع وصقل الانسان ما زلت اردد، ومعي نخبة من رفقاء الدرب، وكانت أصواتنا داوية مطالبين بإستثناء مدارسنا من عطلة السبت التي بسببها تضاءلت أيام الدراسة ل 071 يوماً بدلاًمن 012 يوماً وبالتالي إنكمشت حصيلة الطالب المعرفية، وتبددت طاقة المعلم من أجل التفويض فترك هذا القرار آثاراً سالبة، ليس في نفوس فلذات أكبادنا فقط، بل تعداه لإحباط المعلم. وعائق تربوي آخر يفزعني ويحز في نفسي هو ازدحام فصول الدراسة (اكثر من 09 طالباً بالفصل) هل يستطيع المعلم متابعة التحصيل لهذا الكم الهائل؟ علينا أن نلجأ لنظام الدورتين كما كنا نلجأ اليه في العهد الذهبي للتعليم، واثبت النجاح الباهر. اليوم صار المعلم يجوب من مدرسة لأخرى، حاملاً زاده من المعرفة بحقيبة مترهلة بحثاً عن لقمة العيش والرزق الحلال، لضآلة ما يتقاضاه من مرتب فهذا اللهث وراء المال والتسول بالعلم جعل المعلم غير متفرغ لتلاميذ مدرسته ومنهك وبذا تفقد المدرسة أهم مقومات وأهداف التربية. آمل أن يفرد الاخ الوالي مساحة من وقته للنظر في قضايا صناعة الانسان. فقد عرفته منذ زمن يضع التعليم في حدقات عينيه، وله كذلك مواقف إنسانية مشهودة، واليوم نراه يشهر سلاحه لوأد البطالة ودرء ظاهرة الفقر عدو البشر. التفاؤل يملأ جوانحنا أن التغيير والتجديد آتٍ. ونأمل ذلك ولي عودة. والله المستعان حسين الخليفة الحسن خبير تربوي- أمين إعلام المنتدى التربوي السوداني