هكذا أُسدل الستار على مونديال جنوب افريقيا بتتويج الاسبان ملوكاً على عرش الكرة العالمية ، وفي رصدي لميول الشارع السوداني في هذه البطولة وجدت أن مشاعر السودانيين ظلت تتنقل من هوىً إلى هوى آخر وفق مسلسل الاقصاء الذي يحكم المنافسة . البرازيل هي العشق الكروي الاول والحب القديم لدى السودانيين ولدى معظم العرب والأفارقة ، فالسودانيون يجدون أنفسهم وملامحهم في الشعب البرازيلي والذي تغطى سحناته كل الوان الطيف البشري تماماً كما في السودان . والعشق السوداني للبرازيل وكرة البرازيل قديم قديم ، ساهم في توطيده زيارة فريق فاسكو دي جاما البرازيلي للسودان مطلع الستينيات حيث فاز عليه الهلال بهدفين مقابل هدف،ومن بعده في السبعينيات زار فريق سانتوس البرازيلي السودان وفي معيته الملك بيليه ليلعب ايضاً مع الهلال مباراة انتهت بالتعادل السلبي ، والطريف أن لاعب الهلال (شواطين) أفسد متعة الجمهور السوداني حين لازم بيليه كظله طوال شوطي المباراة ! هذا ما كان في شأن العشق البرازيلي..وفي المونديال الاخير ظلت مشاعر اهل السودان الكروية متقاسمة ما بين البرازيل وغانا ، فالكل كان يرى في الفريق الغاني جذوة النضال الافريقي وامجاد التحرر الوطني وعندما خرجت البرازيل ثم تلتها غانا كاد السودانيون أن ينصبوا سرادق العزاء ويقيموا المآتم حسرة على خروج العشق القديم والعشق الجديد. حار أهل السودان المتيمون بالكرة وراحوا يقلبون انظارهم ويبحثون عن فريق بين الاربعة الكبار يروي ظمأ الانتماء لديهم ويفتنهم في نفس الوقت بفنون الكرة التي يقدرونها ، فلم يجدوا سوى اسبانيا. احد الاصدقاء من مهوسي الكرة راح يفلسف هذا العشق الاسباني بحفنة دماء عربية تستوي في جسده واجساد الاسبان ، وراح يذكرني بموشح لسان الدين بن الخطيب(جادك الغيث اذا الغيث همى..يا زمان الوصل بالاندلس ..لم يكن وصلك إلا حلما..في الكرى أو خلسة المختلس)...وآخرون شطحوا بخيالهم لتأصيل هذا الانتماء الكروي وهم يرون في لاعبي اسبانيا بعضاً من طارق بن زياد ، ذاك الامازيغي الذي فتح اسبانيا والذي ينتمي إلى قبائل البربر الأفريقية. كل هذا لا يهم ،فاسبانيا استوت على عرش الكرة عن جدارة واستحقاق،ولكن يبقى الفوز الاكبر لافريقيا مانديلا التي أبدعت تنظيم المنافسة بذات الجدارة والاستحقاق.