لا حديث يعلو على صوت تقرير المصير في سودان هذه الايام والذي ربما تحوله الايام لسودان آخر لم يتم الاتفاق بعد على حدوده مابين الشريكين اللذين يحركان خيوط اللعبة بمهارة ويذهبان بها في اتجاه نهائياتها التي لم تتضح بعد وما قبل نهاية الطريق التي تقف في حافتها صناديق الاقتراع والاستفتاء لتحديد الواقع المستقبلي للدولة السودانية وحدة او انفصال من خلال من يحق لهم التصويت على احد الخيارين ما لم يحدث جديد. حالة من الحراك الشديد في سبيل جذب الوحدة كان مسرحه الشمال السياسي المحدد في اتفاقية نيفاشا وذلك عبر عقد الندوات المتتابعة والمتلاحقة من اجل تبيين مساوئ الانفصال وفي نفس الوقت التبشير بالوحدة ومزاياها بعد ان توقف الشريكان خمس سنوات في محطة اللا اتفاق والصراع غير المتناهي والتناقض الذي افرز حق تقرير المصير بدا واضحا حتى في هذا الجانب، ففي الوقت الذي تستضيف فيه قاعات الخرطوم المكيفة المتحدثين وقوارير المياه تنساب ناحية اليمين وتلقاء اليسار كان الواقع في الجنوب مختلفا تماما، ففي شمس جوبا خرج المتظاهرون يحملون اللافتات الداعية للانفصال وتكوين دولتهم المستقلة والخروج من السودان، وكان لسان حالهم يقول لهؤلاء المتجمعين انكم تمارسون أذان الوحدة في مالطا واسمعت اذ ناديت راغبا ولكن لا رغبة لمن تنادي ،ليست الرغبة في الوحدة فقط هي ما يمكن ان تجعل لمثل هذه الندوات صدىً وتأثيرا بل حتى عملية وصولها الى المستهدفين وهي العبارة التي وردت في احدى مداخلات الجنوبيين النادرة في مثل هذه التجمعات ان المكان الطبيعي لعقد هذه الندوات هو ان تكون في اوساط من يملكون الاصوات قبل ان يضيف جملة اخرى اعتبرها من ينظمون الندوة خارج السياق الموضوعي قائلا ان ميزانية هذه الندوات كانت اولى بها مشاريع التنمية في الجنوب والشمال معا وهو الامر الذي كان من شأنه ان يحول مظاهرة الانفصال في جوبا الى مطالبة بالوحدة ومن قلب الخرطوم ،مداخلته تصلح لتكون مدخلا لتساؤل موضوعي يتعلق بجدوى هذا النوع من الندوات وتأثيرها في عملية جعل الوحدة جاذبة وخيارا موضوعيا لكل اهل السودان وتأثيرها على مستقبل السودان الموحد وجدواها في عملية تغيير القناعات الانفصالية التي بدت تتبلور في الجنوب. البعض رأى في مجموع الانشطة التي انتظمت الشمال والخرطوم في الايام الاخيرة هي مجرد محاولة لتبييض الوجه والخروج من عملية محاكمة التاريخ وفي هذا الاطار قالت الدكتورة زحل محمد الامين المتخصصة في القانون الدستوري والاستاذة بجامعة الزعيم الازهري ان النشاط الكبير حاليا هو عمل في الساعة الخامسة والعشرين وبالتالي فان عملية تأثيره على المواطن الجنوبي يبدو ضئيلا ان لم يكن معدوما في ظل الواقع السائد الآن في الجنوب والذي بدا يتحسس خطاه من اجل تكوين الدولة الجديدة والتي سيتم بموجب تكوينها القضاء على اجمل خريطة في افريقيا هي خريطة السودان وهذا بجانب الآثار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المترتبة عليه وحدوثه سيكون وصمة عار تاريخي تلحق بكل المعاصرين له من اهل السودان في جنوبه وشماله وهو ما يتطلب من الجميع العمل على تلافيه من خلال توفير الآليات التي تمكنهم من ذلك، ولكن بالرغم من ان هذه الانشطة تحتوي على قدر كبير من الجدارة الاكاديمية من خلال ما تقدمه من اوراق علمية الا انه في المقابل لا تصل الى المستهدفين الحقيقيين في صناديق الاستفتاء في الجنوب وفي اطراف الخرطوم وهو الامر الذي يفرغها من محتواها الحقيقي ويجعلها عمليات تجمع تنتهي بانتهاء مراسم الندوة دون ان يكون هنالك عملية متابعة لتوصياتها. وتساءلت لماذا لم تقم هذه الانشطة منذ توقيع الاتفاقية والتي ربما كان يمكن ان تكون مساهمتها اكبر في عملية انجاز الوحدة الوطنية والتي قالت انها مسؤولية الدولة في المقام الاول وان عملية التفاهمات مابين الشريكين يمكن ان تحققها اكثر من اقامة الندوات التي ينتهي صداها فقط في الخرطوم ولا تصل للمستهدفين الحقيقيين ،مؤكدة في الوقت نفسه ان عملية المساهمة في انجازها هي مسؤولية تقع على عاتق كل السودانيين وتتطلب بالمقابل توفير قدر من الحرية في الحركة للتبشير بها بعيدا عن لغة القهر والكبت الممارسة شمالا وجنوبا . وما قالته الدكتورة زحل كان قد سبقها اليه في وقت سابق مدير تحرير الرأي العام ضياء الدين بلال مشيرا لان الحراك الوحدوي الذي عم الشمال في لحظة يمكن ان تكون له آثار سلبية على عملية الاستفتاء ويمكن ان يتم توظيفه من قبل دعاة الانفصال لخدمة خطهم وبالتالي تتحول عملية المخرجات التي يمكن ان تترتب عليه الى مخرجات سلبية تصب في اطار الانفصال اكثر من قيادتها لاتجاهات الوحدة با عتبارها هدفا منشودا لكل السودانيين وهو هدف يمكن تحصيله بمزيد من التفاهمات ما بين الشريكين مع الوضع في الاعتبار ما يمكن ان يأتي به الاستفتاء في جانبه الآخر والذي ربما يكون الانفصال وهو ما نصت عليه الاتفاقية. وعلى نفس الوتيرة جاءت افادة عضو البرلمان القومي من كتلة الحركة الشعبية علي عدلان قائلا ان ما يحدث الآن هو اشبه بالأذان في مالطا مجموعة من التجمعات باختلاف اماكنها تتحدث عن الوحدة الممكنة كمصطلح للوحدة الجاذبة التي عجزنا عن تحقيقها على ارض الواقع والتي تزداد امكانية تحقيقها بالاتجاه جنوبا للوصول للمواطن الجنوبي في الاماكن التي ستصل لها صناديق الاستفتاء وبالحساب البسيط فان من يحق لهم التصويت في الاستفتاء بالجنوب وبدول المهجر يفوقون عدد من يحق لهم ذلك بالخرطوم. والسؤال هل هذه الانشطة يمكن ان تصل حتى لاولئك الموجودين في الخرطوم والاجابة للاسف هي لا ويمكننا التأكيد على ان مايحدث لا يمكن ان يكون له تاثير على عقلية الناخب الجنوبي وهو من يحدد الى اين تتجه مؤشرات المستقبل بالسودان وهو ما يتطلب بكل الحادبين على هذا المستقبل التوجه با نشطتهم جنوبا والتعرف عن قرب عن اتجاهات ورغبات المواطنين هناك فان كانت توجهات وحدوية يجب دعمها وان كانت غير ذلك يجب العمل من اجل تغييرها في الاتجاه الذي يريدونه ولكن الجلوس في الخرطوم لن يغير في الوضع شيئا، والرؤية التي تبناها علي هي رؤية الكثيرين فيما يتعلق بالتوجه بانشطة الوحدة نحو الجنوب وهو امر من شأنه ان يغير من الواقع الذي تسيطر عليه نغمات الانفصال التي يعلو صوتها على اصوات الوحدة، ولكن في المقابل ان دعوة الاتجاه جنوبا نفسها لا تخلو من المخاطر وهو ما اشار اليه في ندوة عقدت لمناقشة قضايا المسرح الممثل محمد شريف علي حيث قال انه غير مستعد للذهاب للتبشير بالوحدة هناك انطلاقا من أن الناس سيواجهون من يفعل ذلك بالحجارة وان وقت العمل قد مضى في هذا الجانب دون ان يعني هذا الامر تراجعه عن دعواته الوحدوية في السودان. وقد يتحجج آخرون بالظروف الامنية بالجنوب ويبقى الاهم هو مقدار تقبل الناس للدعوة نفسها في ظل المترتبات الاجتماعية والنفسية على الحرب وفي ظل الاستماع الدائم لخطاب الانفصال وعامل آخر لا يقل تأثيرا هو العامل المتعلق بشكل العمل البيروقراطي في الجنوب ومدى تقبل السلطات لمثل هذه الانشطة. وفي هذا الوقت بالتحديد وما ينطبق على الندوات ربما ينطبق على وسيط اعلامي آخر هو الانترنت والذي اصبح نقاش قضايا الوحدة والانفصال فيه هو النقاش الابرز ولكنه كغيره لا يتجاوز المساحة مابين الكيبورد والشاشة والذين لهم القدرة على التعاطي مع التكنولوجيا الحديثة. الحراك الوحدوي الذي انتظم الشمال والندوات الاكاديمية والتوصيات التي تخرج منها والاصوات المرتفعة من اجل هذا الهدف، هل تستطيع تجاوز حواجز ما قبل وما بعد نيفاشا ام انها ستكون أشبه بالأذان في مالطا الذي لن يسمعه من بأيديهم وأصواتهم تحديد مستقبل السودان.