عندما ظهرت لوحة خارج مدينة صغيرة في ولاية منيسوتا مطلع هذا العام وهي تعكس صورة جورج دبليو بوش مصحوبة بعبارة «هل ما زلتم تفتقدونني؟» لم نجد العبارة الساخرة هذي مفقودة بشأن الكثيرين في العالم العربي. فكثيرٌ من الأمريكيين قد لا يفتقدون بوش ولكن يفتقده عدد متزايد من الناس في الشرق الأوسط، فحروب بوش في العراق وأفغانستان لا تحظى بتأييد شعبي في المنطقة ولكن دعمه الحماسي للديمقراطية كان مشجعاً للعرب الذين يعيشون تحت الأنظمة الاستبدادية الراكزة. فلقد كان ناشطو الإصلاح في لبنان ومصر والكويت وأماكن أخرى يشعرون أن بمقدورهم الضغط لكسب حريات أكبر خلال سنيِّ بوش، ولكن لسوء الحظ فإن دعم بوش القوي للديمقراطية يتناقض بحدة مع تراجع الرئيس أوباما حيال هذه القضية الضرورية. وقطعاً أن الوسائل التي نفذ بها بوش سياساته تركت وراءها الكثير من المرغوب فيه خلا النتائج المتكررة التي تمخض عنها خطابه وجهوده: فمن عام 2005م إلى عام 2006م أجري 11 انتخاباً في الشرق الأوسط في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان والكويت والأردن واليمن ومصر وموريتانيا. ولم تكن هذه الانتخابات مكتملة ولكن حالات التحسن التي طرأت أثارت نشاطاً ديناميكياً غير مسبوق في الناحية الاجتماعية/ السياسية وأطلقت رغبة مكبوتة للخيار الديمقراطي، فصور النساء العراقيات المبتهجات اللاتي يعرضن الحبر الملتصق على أصابعهنَّ بعد التصويت تلتها صور ناخبي المعارضة المصرية وهم يستخدمون السلالم لدخول مراكز الاقتراع حيث حاول مسؤولو النظام إغلاق الأبواب. لقد انتشرت مجموعات المعارضة المصرية في مصر خلال سنيِّ بوش: الشباب من أجل التغيير، الفنانون من أجل التغيير، قضاة مصر المستقلون ومنظمة كفاية الأشهر. ويشير إجراء العراق لاثنين من الانتخابات التعددية النزيهة والمتنافس عليها تنافساً حقيقياً في الموعد المحدد إلى أن الديمقراطية تتجذر مرة ثانية هناك بعد 60 عاماً من الحكم الدكتاتوري الأشد قمعاً. وللإنصاف فإن بوش قد تراجع عن دعمه للإصلاح العربي في دورته الرئاسية الثانية بيد أن صورة دعمه ظلت باقية، والسؤال هو لماذا نأى أوباما بنفسه عن دعم سلفه لتعزيز الديمقراطية؟ فالنتيجة غير المفاجئة هي أن النظام في مصر قد عاد إلى ابتزاز المنشقين السياسيين واعتقالهم بالجملة. وأوباما رغم وعود التغيير التي أطلقها عندما كان يتحدث في القاهرة في شهر يونيو الماضي نجده تراجع إلى سياسات الحرب الباردة التي تفضِّل الاستقرار بل ودعم الطغاة الحميمين. إن إدارة أوباما منحت جواز مرور مجاني لحسني مبارك طاغية مصر المريض البالغ من العمر 82 عاماً وقد كانت بذلك أبعد ما تكون من إقرار سياسة مثالية لربط العون الخارجي الأمريكي الملموس لدول المنطقة بغرض الإصلاح السياسي. وقد شاهدنا واشنطن الشهر الماضي وهي ترد رداً هزيلاً عندما قام نظام مبارك بتمديد «قانون الطوارئ» الذي حكم بموجبه لمدة 29 عاماً بحيث منع حتى التجمعات السياسية الصغيرة وأرسل المدنيين إلى المحاكم العسكرية. ومن الواضح أن إدارة أوباما تظن أن تقوية العلاقات مع مبارك ستشجع مصر على أن تصبح أكثر نشاطاً في عملية السلام الإسرائيلية/ الفلسطينية بيد أن مبارك لم يقدم السلام الإسرائيلي/ الفلسطيني إلى الأمام بأكثر مما أنجزه سلفه أنور السادات في السبعينيات، كما أن الزعيم المصري شدد من حملة فرض النظام ضد مدوِّني الشبكة الآنيين bloggers من الشباب الشجعان الموالين للديمقراطية. ومن المقرر لمصر أن تجري انتخابين اثنين مهمين خلال ال18 شهراً القادمة وهي انتخابات يمكن أن تصوغ مستقبل الديمقراطية في أكبر بلدٍ بالشرق الأوسط والمنطقة نفسها. فما هي النغمة التي يريد الرئيس أوباما أن يراها راسخة في هذه المنطقة المتقلبة؟ لقد أصغى مناصرو الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط بآمال عراض إلى خطاب أوباما في القاهرة، ولكن اليوم لم يكن المصريون محبطين فحسب بل مذهولين بما بدا لهم دعماً مباشراً للاستبداد في بلادهم. والمطلوب الآن رسالة صارخة وواضحة من الولاياتالمتحدة ومجموعة الدول الديمقراطية فحواها أن الشعب المصري يستأهل انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، فالكونغرس نفسه يدرس قراراً بهذا الشأن بالنسبة ليوغندا. ويعتبر قرارٌ كهذا ضروري بالنسبة لمصر بالنظر إلى الدعم الأمريكي الكبير لمصر، وكما أننا نأمل في إشارة أمريكية واضحة حول تعزيز الديمقراطية يجب أن نأمل أيضاً في أن توقف إدارة أوباما تدليلها للديكتاتوريين. * الكاتب: عالم اجتماع مصري وناشط ديمقراطي يعيش في المنفى وهو أستاذ زائر متميز بجامعة درو في ماديسون بولاية نيو جيرسي.