لعل اغلب سكان الشجرة وما حولها يتذكرون جيداً كيف كان حال المثلث الذي يقع بين الشجرة والمستودعات وحتى الحدود الغربية لجبرة القديمة وجنوب سلاح المدرعات. فالمساحة كانت عبارة عن ارض جرداء وصحراء في الصيف ثم قيعان ومستنقعات وبرك في فصل الخريف واطراف منها كانت مكباً للنفايات والاوساخ. وحينها لم تكن هناك خطوط او طرق اسفلت الى ان دخلت المنطقة في الخطة الاسكانية في الدرجة الاولى وتم تقسيمها الى مدن سكنية مثل حي الشهيد طه الماحي ويثرب والشارقة وتحولت المنطقة الى كتل خرسانية واسمنتية ذات طوابق متعددة يستوطن بها الاثرياء والمغتربون في الدول الغربية ودول الخليج وعدد كبير من معاشيي القوات المسلحة والاجهزة النظامية. ووقتها كانت المساجد تعد على اصابع اليد الواحدة من بينها مسجد الري المصري ومسجد المدرعات والحماداب وسط والحماداب جنوب ومسجد نور الدائم وشرقاً مسجد جبرة الذي كان يؤمه الشيخ الراحل عبد الجبار المبارك. وبالطبع فان المقدمة اعلاه تبقى ضرورية ولازمة لجهة تبيان النقلة النوعية التي حدثت في المنطقة خلال العشرين عاماً الماضية وعلى رأسها دخول الشيخ عبد الحي يوسف رئيس قسم الثقافة الاسلامية السابق بجامعة الخرطوم ونائب الامين العام لهيئة علماء السودان ورئيس مجلس ادارة منظمة المشكاة الخيرية، وفي ذات الوقت امام وخطيب مسجد خاتم المرسلين بحي الدوحة الذي افتتحه ظهر الجمعة السيد رئيس الجمهورية يرافقه وزير الدفاع الوطني الفريق اول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين ووالي ولاية الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر ووالي الشمالية فتيح خليل والدكتور عصام البشير وزير الارشاد والاوقاف السابق. حسناً لنتوقف هنا برهة ونرسم بريشة الاحداث مشهدا فيه الكثير من الدهشة.. فعقب اداء صلاة الجمعة التي خطب في منبرها العالم الشنقيطي د. محمد المحسن الددو من دولة موريتانيا ها هو رئيس الجمهورية المشير عمر البشير يكشف عن سر قد يكون محلاً للاستغراب خلال كلمته عقب الصلاة.. ويقول بالدارجي البسيط: «والله يا جماعة شيخ عبد الحي ده لمن طردوه من الامارات يمكن في نفسه كانت في حاجة والناس زعلوا لكن نحن فرحنا وانا استدعيته في القيادة العامة للقوات المسلحة وقلت ليه يا شيخ عبد الحي نحن عايزين نبقيك ضابط في فرع التوجيه المعنوي رأيك شنو؟ الا ان الرجل اعتذر بلطف وقال انه مشغول بتكملة وترقية دراساته العليا فقبل الرئيس البشير عذره شريطة الا يعود الى الامارات مرة اخرى.. فوافق عبد الحي... وقد كان.. وربما تكون الحادثة التي مر عليها ثمانية عشر عاماً هي بداية العلاقة بين الرجلين على ان الراجح هو ان الشيخ عبد الحي الذي لم يكن اصلاً بعيدا عن «العكسرة» من واقع عمله السابق كعريف في وزارة الدفاع الاماراتي ثم اماماً وخطيباً لمسجد الشيخ محمد بن زايد في ابو ظبي هو ايضا اخ مسلم منظم وحركة اسلامية ضمن اسرة كان نقيبها هو خال الرئيس البشير المهندس الطيب مصطفى.. حسب افادة الاخير في لقاء خاص ضم ثلة من الاخوان المسلمين. عموماً ها هو عبد الحي يوسف يبادل الرئيس نفس المشاعر والطيبة ويرد التحية باحسن منها حينما يقول ان تشريف الرئيس البشير وافتتاحه للمسجد الذي يسع ثلاثة آلاف مصلي بجانب مصلى آخر للنساء ليسع سبعمائة امرأة -كنت واحدة من رواده- وملحق به مدرسة قرآنية هو نعمة كبيرة من نعم الله. ويثني عبد الحي على الرئيس البشير وعلى وقوفه ودعمه للعلماء والدعاة ولم ينس كذلك ان يشكر والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر الذي تبرع بمولد كهربائي كبير لصالح المسجد. ويحكي عبد الحي يوسف كيف ان المسجد الحالي كان مشيداً بالجالوص وان مساحته لم تكن تتعدى «8*6» أمتار يسع سكان الحي القليلين وقتها ثم تم تأهيله ليكون بمساحة اكبر وهو الذي اصبح مصلى النساء الآن.. ليأتي الدكتور حسن عثمان سكوتة- احد داعمي عبد الحي ليشيد المسجد بشكله الحالي كاحدث مسجد يبنى على نسق الطراز التركي بفن معماري تعلوه القباب والمآذن ويتكون من ثلاثة طوابق بتكييف مركزي وسجاد ايراني فاخر ومزود بتقنية صوتية متقدمة.. وهو الامر الذي يجعل الرئيس البشير يقول بفخر ان المسجد يعد اهم منارة في ولاية الخرطوم. ربما... وعوداً على بدء فان المنطقة التي كانت معقلاً للحركة الاسلامية تحولت الآن او في غالبها ونتيجة لانقسام الاسلاميين الى مؤتمرين وطني وشعبي الى تيار عريض يدعم الشيخ عبد الحي الذي استطاع ان يؤسس عدداً من المؤسسات بتلك المنطقة موزعة بخارطة تنظيمية دقيقة.. ففي حي الشارقة يقع مقر منظمة المشكاة الخيرية وفي حي العامرية تم افتتاح مسجد سيد المرسلين بمربع «7» الاسبوع قبل الماضي وبالقرب من مقسم سوداتل بحي الشجرة تقع مباني قناة واذاعة طيبة.. والشاهد ان هذه الاحياء اصبحت تضاهي في تطورها احياء الطائف والمنشية واركويت واحياناً تزيد اسعار ايجار او بيع الاراضي فيها اكثر من تلك المناطق. ويمكن للمتابع للتطورات التي لازمت الشيخ عبد الحي يوسف يرى ان الرجل نفسه لم يكن بعيداً عن المؤتمر الوطني رغم محاولاته للنأى بنفسه عن دائرة الاستقطاب السياسي فالرجل ادلى بصوته الانتخابي لمرشح المؤتمر الوطني في دائرة الشجرة وجبرة الدكتور يونس الشريف الحسن وهو الامر الذي فعلته اسرته وانصاره بالمنطقة بل وتتناقل مجالس المدينة ان قراراً وشيكاً ربما يصدر بتعيين الشيخ عبد الحي يوسف أميناً عاماً لهيئة علماء السودان خلفاً لامينها الحالي البروفيسور محمد عثمان صالح نسبة لما يتمتع به الاول من علاقات خارجية بالعلماء والفقهاء في العالم العربي والاسلامي. ولربما كرد للجميل من الحكومة للرجل الذي عمل على انجاح الحملة الانتخابية للمؤتمر الوطني عبر مشاركاته بالندوات والمحاضرات المفتوحة التي أقامتها هيئة علماء السودان داخل وخارج ولاية الخرطوم على عكس غرمائه الآخرين الذين تخندقوا وعبروا علناً عن مقاطعتهم للانتخابات تعبئة وترشيحاً وتصويتاً وهم مجموعة الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة ممثلة في الشيخ سليمان ابو نارو والشيخ محمد عبد الكريم. أخيراً نسيت ان اقول لكم أن الشيخ عبد الحي يوسف كان يجهش بالبكاء خلال كلمته المرتجلة حتى تهدج صوته.. حينها تساءلت بيني وبين نفسي: ما الذي ابكى الشيخ.. اهو حضور الرئيس البشير لافتتاح المسجد ام الفرح لاكتمال مجمع خاتم المرسلين.. ام تذكر لحظة الاستضعاف.. حينما كان يؤم المصلين في مسجد صغير مبني من الطين وتحول الآن الى لوحة فنية آية في الجمال؟! إنها اسئلة لا يجيب عليها الا عبد الحي يوسف نفسه.