تقبل الله صيامنا جميعاً وكل عام وأنتم بخير . قبل فترة قرأت في إحدى الصحف عن طالب في مرحلة الاساس سقط أثناء الطابور الصباحي مغشياً عليه، وحينما أسعفته إدارة المدرسة بصعوبة إلى أقرب مصحة، قالوا لهم إنه جوعان يعاني من أنيميا حادة. كذلك سبق ان أطلعت على نتائج دراسة ميدانية قامت بها مجموعة خيرة من أبناء وبنات هذا الوطن، تقول الدراسة إن في كل مدرسة أساس حكومية ما بين 40-60 تلميذا لا يملكون قيمة وجبة الإفطار. هذا في المدرسة التي تحتوي على فصل واحد لكل من المراحل الثمان، أما في المدارس ذات الفصلين فيرتفع عدد الجوعى من التلاميذ حتى يفوق المائة تلميذ، مع العلم بأن هذه الدراسة الميدانية لم تكن في مدارس دارفور أو الجنوب أو شرق السودان، بل لم تتم في أطراف العاصمة ومواطن النزوح، ولكنها أجريت في قلب العاصمة المثلثة ..وبالتحديد في مدينة الخرطوم بحري. رصدت هذه الدراسة العامل الذي لديه أربعة أطفال في مدرسة واحدة وهو لا يملك ألفي جنيه لإفطار هؤلاء الأربعة، لذلك يكتفي بمنحهم خمسمائة جنيه ليفطر أحدهم ويصوم الثلاثة الباقون... وهكذا يتداولون هذا (اللوتري الغذائي) فيما بينهم كل يوم. كما رصدت الدراسة تعفف تلاميذ وتلميذات الصف الثامن من الجائعين والجائعات والذين بحكم نضجهم النسبي يمكثون في صفوفهم أثناء فسحة الإفطار ويتظاهرون بمراجعة الدروس إتقاءً للحرج أمام زملائهم ممن يملكون قيمة الساندوتش. إن الله الرؤوف الرحيم كان أرحم بالصغار منا حينما رفع عنهم تكليف الصوم، فأمعاء الصغار لا تحتمل الجوع كما يحتمله الكبار. تكلفة (الساندوتش المتواضع) الذي يقتات عليه هؤلاء الصغار لا تتجاوز الخمسمائة جنيه إذا استبعدنا هامش الربح، وبمعنى حسابي آخر أن المائة ألف جنيه كفيلة بإطعام مائتى تلميذ في اليوم. وبمعنى حسابي أوسع، إن اقتطاع بضعة ملايين من بنود الصرف البذخي الذي تمارسه بعض أجهزة الدولة كفيل بإطعام هؤلاء الجوعى من الأطفال. لسنا بحاجة لمن يحاضرنا عن الأزمة المالية العالمية أو انخفاض سعر البترول أو توسيع خارطة الاستثمار التنموي، فهذه المحاضرات المملة لن تسكت قرصة الجوع في بطون الصغار. إن السياسة كما نفهمها، ويا لسذاجتنا، هي لقمة لجائع ومدرسة لتلميذ وجرعة دواء لمريض ونسمة حرية.