مرت العلاقات الليبية السودانية بفترات مد وجزر وتصالح وتخاصم الا أنها لم تعاني من القطيعة الكاملة الا في حدود ضيقة جدا ورغم علاقات الأنظمة السياسية في البلدين المتذبذبة أحيانا الا أن العلاقات بين الشعبين السوداني والليبي لم تتأثر كثيرا مثلما يحصل في كثير من البلدان الأخري تعتبر البداية الفعلية للتأثير السياسي بين البلدين بدأ بعد قيام ثورة مايو 1969م في السودان وثورة الفاتح من سبتمبر الليبية عام 1969م ايضا ففي بداية ثورة مايو وثورة الفاتح من سبتمبر كانت العلاقات قوية جدا ومتينة ولم تتعرض لهزات وشارك العقيد القذافي في أحتفالات العيد الأول لثورة مايو ولكن بعد خروج المعارضة السودانية وأختيارها ليبيا مقرا تنطلق منه فجر الخلافات السياسية بين البلدين وكانت ذروة التوتر في علاقات ليبيا والسودان عندما قامت المعارضة السودانية عام 1976م بتنفيذ غزوة أمدرمان مما يعرف في أرشيف السياسة السودانية ب(غزوة قوات المرتزقة) وهو لفظ أطلقه نظام نميري علي تلك الغزوة . بعد عام 1976م ساءت علاقات نظام نميري مع نظام القذافي ولم ترجع المياه الي مجاريها الا بعد المصالحة الوطنية بين نظام مايو والمعارضة ورجوع بعض قيادات المعارضة السودانية ومشاركة المعارضة في الحكم.رغم هذه الحالة من الخصام في العلاقات السياسية الا أن وجود الالاف من السودانيين في ليبيا لم يتأثر ولم يعامل الشعب الليبي السودانيين المتواجدين علي الاراضي الليبية معاملة سيئة بل ظل السودانيين يعملون في وظائفهم وأعمالهم ولم يمسوا بسوء أبدا الا في حالات فردية ضيقة جدا . وكثير من السودانيين الفارين من قمع نظام النميري المتسلط وجدوا في ليبيا حماية ولجوء سياسي أنقذ كثير من الرقاب التي كانت مهددة بالقطع والأعدام .وأنتقاد نظام القذافي لنميري ونظام مايو كان سببه التقارب الأمريكي السوداني والذي توج بترحيل نظام مايو لليهود الفلاشا الي أسرائيل ولأن العقيد القذافي كان يومها في صدام وقطيعة مع أمريكا وكان مساندا للقضية الفلسطينية ويستضيف كثيرا من رموز المقاومة الفلسطينية في أرض ليبيا كان هذا هو سبب الخلاف الرئيسي بعد أنهيار نظام نميري وقيام ثورة أبريل كانت العلاقات تشهد هدوء نسبي نسبة لأن الأنظمة التي تعاقبت علي حكم السودان كانت ترتب في أولوياتها الداخلية ومنشغلة بترسيخ الحكم وكنس آثار مايو ولهذا فأن فترة المشير سوار الذهب (الفترة الأنتقالية) ثم فترة ما يسمي بالديمقراطية الثالثة نظام الأحزاب من 1986م -1989م كانت العلاقات هادئة ولم تشهد أي توتر بل تحسنت العلاقات لأن زعماء المعارضة لنظام مايو والذين كانوا في خلاف مع النميري أنطلقوا من بلدة الكفرة الليبية في ثورتهم ضد نظام مايو ولذلك أحتفاظا للجميل الذي قدمه النظام الليبي لهم وأستضافته للمعارضة في الأراضي الليبية وجد أحتراما من قادة الأحزاب السياسية السودانية فترجموا هذا عمليا في علاقات ممتازة بين ليبيا والسودان عندما أستلموا الحكم. ................................ عندما قامت ثورة يونيو1989م بقيادة عمر البشير لم تشهد السنيين الأولي من عمر النظام الجديد في السودان اي خلاف مع النظام الليبي ولكن بعد وضوح الوجه الحقيقي للثورة ونظام الحكم الذي رفع شعارات أسلامية متشددة كان هنالك نوعا من عدم الأرتياح من النظام الليبي وخصوصا بعد تتالي وصول بعض القيادات الأسلامية المتشددة الي الخرطوم ودعوة الترابي عراب النظام الجديد الي نوع من التنسيق بين القيادة للحركات الأسلامية في العالم كانت شمال أفريقيا تعج بنشاطات جماعات أسلامية متشددة كانت ترنو بأعجاب لتجربة الحركة الأسلامية السودانية التي أستلمت الحكم في الخرطوم ولكن كان هنالك بون شاسع في طريقة تفكير الحركات الأسلامية في شمال أفريقيا ففي تونسوالجزائر والمغرب هنالك تواجد لبعض الجماعات الأسلامية ولكن كان أخطر تلك الجماعات الاسلامية في الجزائروتونس حيث أعتمدت حركة الأسلام السياسي الجزائري مبدأ العنف ففي سبيل أظهار وجودها وبعد ضربات موجعة وتضييق نفذت ضدها فعباس مدني وعلي بلحاج من زعماء الجبهة الجماعات الأسلامية وراشد الغنوشي سجنوا وقد دعا لاحقا عباس مدني الي نبذ العنف وكذلك فعل راشد الغنوشي ولكن كانت بعض جيوب الحركات المحسوبة علي الاسلام السياسي الجزائري تنفذ هجمات دموية راح ضحيتها كثير من الأبرياء .اما ليبيا كانت توجد بها مجموعة أسلامية ولكن تأثيرها لم يكن كبيرا ولذلك من مبدأ السلامة ربما وبعض القراءات السياسية للأحداث أضرت بمسيرة العلاقات السودانية الليبية فقد تأثرت العلاقات بشكل سلبي ورغم عدم وجود روابط واضحة وبينة بين المجموعة الاسلامية الليبية والنظام الحاكم في السودان الا أن التوجس كان سيد الوقف في علاقات البلدين ورغم ذلك لم يحصل أن قام البلدان بقطع العلاقات أو أغلاق الحدود أو تخفيض التمثيل الدبلوماسي بعد عام 2003م بداية أزمة دارفور وظهورالتمرد حصل تطور جديد في العلاقات بين البلدين تغذيه الهواجس وقد تاثرت العلاقات بشكل كبير ووصلت او أقتربت الي درجات الأنهيار كون الحدود الليبية تجاور دارفور وكثير من جنود الحركات المسلحة الدارفورية كانوا في يوما ما يعملون في ليبيا كمغتربين الا أن الحقيقة ايضا أن تشاد كانت المعقل الذي تحركت منه الحركات المسلحة الدارفورية وكثير من زعماء الحركات كانوا متواجدين في أنجمينا ويرتبطون بعلاقات أسرية عرقية مع كثير من التشاديين كما أن دعم التمرد في دارفور تشير كثير من الأصابع الي دول غربية وأمريكا ودعم يأتي من وراء البحار ............................. قمة التوتر بين علاقات البلدين وصل عندما أعلن السودان قفل حدوده مع ليبيا تحوطا لأنفلات أمني خصوصا بعد أن وصل د.خليل ابراهيم زعيم حركة العدل والمساوة الي طرابلس بعد أن نفض يده عن أتفاق الدوحة ورغم أن الحكومة السودانية لم تربط قرار أغلاق الحدود بأي هدف سياسي ودحض قيادات البلدين للشائعات وبرهنوا عمليا أن علاقات البلدين لن ولم تتأثر بتلك الخطوة التي فسرها السودان بضبط للحدود وأعادة نشر شرطة الجمارك والحدود الا أن ظلالا سالبة للأحداث بدأت بعض الجهات الأجنبية وبعض الدول القائها علي علاقة البلدين وهنالك محاولة لأستثمار هذه الأجواء لتوسيع الخلاف السياسي بين البلدين الشقيقين ومحاولة دق أسفين في العلاقات المتميزة وهذا يجب علي قيادات البلدين ليبيا والسودان الأنتباه له وتفويت الفرصة علي أعداء القارة من اليهود وبعض الواجهات الأمريكية .أنني من قراءتي لهذه العلاقات المتميزة من منظور تاريخي ومستقبلي أري أن ليبيا والسودان يجب أن يعملا سويا وبأستبصار للمستقبل في تقوية هذه العلاقات وترميم أي تلف حصل في مسيرة العلاقة الأخوية ومن مصلحة السودان أولا التفكيربجدية في تقوية علاقاته مع ليبيا وطرد كل الهواجس والظنون هنالك كثير من الأراء السلبية يجب أن تحييد من بعض قصيري النظر وعلي القيادة السياسية العليا في السودان الأستماع لصوت العقل وعمل الحكمة والنظر للمستقبل البعيد كما أن ليبيا من مصلحتها بناء علاقات مستقبلية متينة مع السودان ليبيا الآن تستورد كثير من المواد الغذائية من الخارج ولو فكر المسؤولون الليبيون بعمق لوجدوا ان السودان يمكن أن يسد الأحتياجات الغذائية الليبية أذا أستثمرت ليبيا مئات الملايين من الدولارات في الأراضي الزراعية السودانية وأيضا السودان يشكل عمق أستراتيجي لليبيا من ناحية المياه ف(الحوض النوبي العظيم ) الذي يتمدد تحت الصحراء السودانية المتاخمة للحدود الليبية الذي يعتبر أضخم أحتياطي مائي جوفي في العالم وأكبر بحيرة مياه عذبة في العالم يقول خبراء المياه أن كمية المياه في الحوض يساوي كمية المياه لجريان النيل لالآف الأعوام الاأن أستخراجه يتطلب تكنلوجيا متقدمة وأستثمار مالي ضخم فيمكن للسودان وليبيا أستثماره لمصلحة البلدين فالقاعدة (لا ضرر ولا ضرار) كما أن السودان يحتاج الي ليبيا فليبيا هي الدولة الوحيدة التي يتوفر لها أكبر أحتياطي نقدي في قارة أفريقيا يمكن أن يشكل داعم لكثير من الأستثمارات الحقيقية في السودان التي تعود بالخير علي الشعبين السوداني والليبي فليبيا هي أرض الفرص الواعدة والثروات البكر والأستثمارات العملاقة التي يتهافت عليها كل العالم المتحضر الآن فالأجدر للجيران أن يتعاونوا علي التقوي والخير.من مصلحة ليبيا الحقيقية بناء السلام في دارفور والتأثير الايجابي علي د.خليل وحثه علي العودة للمفاوضات مع الحكومة السودانية لطي ملف الحرب في دارفور والأستعداد للتنمية والسلام في الأقليم المنكوب وكذلك المطلوب من الدولة الليبية دعم السلام والوحدة في السودان حتي يعبر السودان أزماته والعمل بايجابية أكبر في تفعيل جوار هادئ ودعم وحدة السودان لأن السودان سند حقيقي وعمق أستراتيجي لليبيا ومن مصلحة السودان العمل علي بناء علاقة متميزة وقوية وراسخة وأستراتيجية مع ليبيا لأن من مصلحة السودان المستقبلية والآنية تفعيل تكامل حقيقي مع ليبيا فالعلاقة القوية هي المعبر الآمن للبلدين حتي يلحقا بركب الامم المتقدمة آن الآوان لقيادات البلدين الدخول في نقاش جدي للدفع بالعلاقات الي الامام وطي صفحة الخلاف الماضي وفتح الباب أمام زهور المستقبل حتي تتفتح بنور التكامل والاندماج الاقتصادي والعلاقات الاخوية المتينة