ها نحن نجتمع اليوم فلا نجدك بيننا.. ها نحن نُفاجأ بأن قمرنا الذي كان يضئ أمامنا الطريق ويقودنا إلى ساحات الذكر، وأماكن العبادة، ويحثنا على عون المحتاج، والمسكين، وعابر السبيل... هذا القمر قد غاب. ها نحن نجد أنفسنا أمام امتحان عسير.. لأننا فقدنا الرمز الذي كان يعلمنا أن الإسلام عقيدة وطهارة للنفس والقلب، وتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.. وأن الصوفية تطبيق لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.. والتزام بنهجه ودعوته، وندائه الخالد.. كونوا عباد الله إخوانا.. ولذلك كنت تعتقد أن ابن الشمال أخوك.. وابن الجنوب أخوك.. وابن الشرق أخوك.. وابن الغرب أخوك.. الخليفة تاج السر علي الشيخ.. لقد انعكس ذلك على نهجك السياسي، وأنت الختمي الأصيل، والاتحادي الصلب.. ومن ثم ، فإنني لن أنسى أنك كنت تقول لنا: إن علينا أن نمارس مسؤوليتنا السياسية بصدق.. وأن ننطلق من مثلنا وقيمنا ومبادئنا وأهدافنا بصدق أيضاًَ.. وأن نتعامل مع ما حولنا من سياسات مغايرة بنفس الروح حتى يكون لنا دور في تحقيق الوحدة.. وحدة الوطن، ووحدة الشعب، والالتزام بمسؤوليات الحاضر ومتطلبات المستقبل. لن أنسى ذلك، وأنا الذي عرفت فيك الصديق الوفي، والخلق النبيل، والابتسامة الجميلة، حتى في وجه من أخطأ في حقك. ولو رأيت عليك رحمة الله الخليفة تاج السر علي الشيخ، كيف بكاك الجميع، أبناء طريقتك، وأبناء الطرق الأخرى، أبناء حزبك وأبناء الأحزاب الأخرى.. ونحن نسير خلف نعشك، ليواري جثمانك الطاهر بين الطاهرين من أمثالك، عرفت كم هي مُرةٌ دموع الرجال، وكم هي حارقة، وكم هي أبلغ تعبير عن عظم الفقيد... ولم يكن غريباً وجليل الحدث، وعميق الحزن والأسى.. شعرنا بتدفق دموع المطر غزيرة حيث وضع جثمانك الثرى حتى نعرف أن هطول الأمطار في تلك اللحظات بداية على أن الفقيد عظيم ورحيله لم يترك وراءه جفافاً، وإنما ماء غزير يبشر بالخير للأحياء من بعده لبني وطنه. لقد عرف الكثيرون غيري أنك تسير على نفس الطريق الذي رسمه أبو الوطنية خالد الذكر مولانا السيد علي الميرغني، وهو أن السياسة في السودان لها طريق واحد.. هو أن يعرف أبناء السودان كيف يتعايشون على مختلف معتقداتهم وأحزابهم، وألوانهم ومناطقهم... وأن يعرفوا كيف يستفيدون من التنوع الثقافي والعادات والتقاليد والرؤى السياسية المختلفة، حتى يضمنوا لوطنهم الأمن والاستقرار.. حتى يشكلوا الجبهة الوطنية القوية.. التي تقف في وجه الأعداء فتصدهم، وتتصدى لكيد المتآمرين، فتكشف تآمرهم وأن يعرفوا أن وطنهم مستهدف.. مستهدف في تاريخه وفي حاضره ومستقبله.. لأن ما منحه الله، من إمكانيات وثروات في أرضه، وفي جوفها، وعلى سطحها، يغري أعداءهم، للعمل من أجل بث الفرقة بينهم ، والعداء بين مجموعاتهم، فيكون الصدام ويكون التقاتل.. وتكون الأحقاد التي تتوارثها الأجيال المتعاقبة.. كانت تلك هي نظرتك... ومنها كان تعاملك مع أبناء وطنك كلهم وبلا استثناء.. وهم جميعاً أخواتك.. إن ما يربطك بهم، هو الوطن.. هو سلامه ووحدته.. هو التضحية في سبيل هذا الهدف والعمل من أجل تحقيقه بلا توقف.. هكذا عرفناك منذ تفتح عقلنا على مسؤوليتنا السياسية والاجتماعية... وهكذا كنا نفرح حين نلتقيك... ونسعد أكثر عندما يطول هذا اللقاء.. أكتب هذا وجرح فقدك ينزف في قلبي وأفكر كيف أقف بين الذاكرين، ولا أجدك بينهم، بقامتك الفارعة، وجسمك النحيل، وتعابير وجهك المعبرة عما في نفسك من معانٍ سامية، وقناعة بعظمة الموقف، وغياب عن كل مغريات الدنيا بسبب اللحظات التي تعيشها. عليك رحمة الله الخليفة تاج السر علي الشيخ.. لقد فقدناك جسداً ولكنك لن تغيب عنا روحاً وإخاءً وحباً... لقد اختارك الله إلى جواره.. ونحن نؤمن بقضاء الله وقدره.. ونبتهل إليه أن يكرم مثواك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وحسن أولئك رفيقاً.. «إنا لله وإنا إليه راجعون».. الخليفة تاج السر ... سلام..!! [email protected]