فقدناك يا حميد فى وقت نحن أحوج ما نكون فيه لشخصك لتثرى وجداننا الوطنى بفيض كلماتك الوطنية البسيطة العميقة الجميلة المعبرة،فقدتك البلاد بطولها وعرضها وهى تدخرك لتقود مسيرتها الثقافية وانت تعبر عن نبض الوطن وانسانه وتنطلق منه وتعود اليه شعراً واعياً ومعبراً عن آمال بنى الوطن وأحلامهم الكبيرة. وحزنى على فقدك عظيم يا شقيق يا صديق،لان ما يربطنى بك من ود ومحبة وإخاء يجعلنى الآن أكتوى بنار الفقد وأتلظى بلهيب الفراق،وأحس الغربة بين الناس،لأن من فقد إنساناً عظيماً ونبيلاً مثلك،تصبح حياته نكداً،وألماً،وحزناً مقيماً يتابعه مثل ظله،ويفرض نفسه عليه فى نومه ويقظته... وإن أنسى لا أنسى الدور الذى قمت به أنت ورفيق دربك وتوأم روحك الشاعر الانسان السر عثمان الطيب فى إحتفالات الذكرى السنوية للزعيم الاكبر مولانا السيد على الميرغنى والتى شرفها بالحضور مولانا السيد محمد عثمان الميرغنى بعد غياب طويل عن ارض الوطن قائداً لجحافل المناضلين السودانيين من أجل إسترداد الحرية والديمقراطية لشعب السودان...يومها تألقت يا صديقى وصلت وجلت والهبت المشاعر فكانت(عودة وفودة)بعثاً لروح الحركة الاتحادية وتحديداً لمكانتها فى النضال الوطنى،وتحريكاً للحس الوطنى الاتحادى ،وتحفيزاً له ليعلو ويسمو فوق كل جراحاته ويواصل نضالاته من أجل حرية الإنسان السودانى،من أجل تصعيد نضال هذا الانسان،من أجل تحقيق أهدافه فى الحرية والديمقراطية،من اجل تثبيت دعائم السلام على ارضه،من أجل إعلاء كلمة الوحدة فى حياته،من أجل رسم طريق المستقبل المرجو أمام إنسانه...لا أنسى أثر تلك القصيدة فى نفوس مئات الآلاف من الحاضرين للاحتفال ،ولا كيف هزت بكلماتها وجدانهم الوطنى...كما لا أنسى الساعات التى قضيناها سوياً فى مطلع التسعينيات عندما أتيت مسرعاً الى أبوظبى ومعك صديقك هاشم الرهيو لتحظى بالسلام على مولانا السيد محمد عثمان الميرغنى الذى كان ضيفاً على حكيم العرب رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وما دار بينكما من حديث عرفانى حول ما يجرى ببلادنا حينئذ من تعذيب وتشريد منظمين ...كما لا أنسى الرفقة القصيرة الجميلة يوم شرفتنى ورافقتنى فى زيارتى الى بلدتى وموطنى الذى أفتخر به وبأهله الطيبين ناس البسابير الذين أقاموا مهرجاناً كبيراً للاحتفال بعودتى الى أرض الوطن وتكريماً للدور الوطنى الذى إضطلعت به بالنيابة عنهم طيلة سنوات المعارضة ضد نظام الانقاذ..ولا أنسى كيف كانت مشاركتك ومعك صديقنا المشترك الشاعر المرهف السر عثمان الطيب فى ذلك الاحتفال...وتظل كلماتك التى قلتها فى حقى تاجاً فى رأسى وجيداً يطوق عنقى ما حييت...لقد تعلمت من تلك الرفقة القصيرة بساعاتها المحدودة(بحرى،البسابير‘بحرى)كم هو دور شاعر مثلك كبير وعظيم،وكم هو مكانه متقدماً ورائداً،وكم هى المفردة الشعرية الأصيلة والصادقة فاغلة ومؤثرة... هاتفنى حميد من الخرطوم قبل أسابيع قليلة من وفاته وأنا هنا بلندن وكان معه الشقيق الصديق القيادى الاتحادى محمد سيدأحمد سرالختم،وما كنت أدرى بأنه اللقاء الأخير،وبعد أن تحدثنا عن أحوال العباد والبلاد سألنى:متى العودة؟قلت:قريباً..قال:هيا منتظرنكم..ولم أنهى المكالمة قبل ان ابارك له مولوده الجديد (أرضاً سلاح) التى حرمتنى ظروف تواجدى خارج البلاد من المشاركة فى حفل تدشينه، وبرغم برودة الطقس اللندنى الا إننى شعرت بالدفء بعد المحادثة التلفونية مع الفقيد حميد وما كنت أدرى بانها الوداع الأخير...وأنى سأعود الى السودان ولن أجد حميد بجلبابه وعمامته المميزة... ولكن عهداً ووعداً لروحك الطاهرة يا صديق أن نتمثل ونتأمل ما فى ديوانك الأخير من قصيد وأن ندعو له، ونبشر به، فى نضالنا السياسى.. لتكون حاضراً معنا دائماً..إن لم يكن بجسدك فبروحك ومواقفك الوطنية وإنتمائك لتراب وطنك....وثق أننا لن ننسى شخصاً مثلك طالما زرع فى أنفسنا الحب والأمل بغد أفضل ثم رحل بعد أن أدى رسالته على أكمل وجه ليسعد بلقاء ربه إن شاء الله... أخى محمد الحسن سالم حميد،ما كنت أظن أن أجد نفسى فى وضع اسطر فيه مثل هذه الكلمات التى أنعيك بها،وما كنت أتصور وطنى السودان بلا(حميد)وما كنت أتوقع يوماً أن أجد مكانك بين شعراء الوطنية السودانية خالياً،لكن هذا هو قدرى،وقدر رفاق دربك الشعراء،وقدر أبناء وطنك جميعاً...هذه هى إرادة الله نتقبلها،ونمتثل لها...هذه هى الحياة الدنيا..يوماً تفرح الانسان،ويوماً تحزنه،رحيلك المفاجىء والمباغت هو الامتحان الصعب لايمان الانسان بما يقدره خالقه عز وجل...وسفرك بدون وداع حرمنا من نظرة أخيرة نعيش على ذكراها...ولكن عزاءنا أنك إنتقلت الى حياة هانئة وادعة مطمئنة لا شقاء ولا حزن فيها، لا هم، ولا غم، يكدر صفوها... فهنيئاً لك جوار النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين وهم أولى بصحبتك منا...رحمك الله يا أنبل الرجال وأعاننا على تحمل فقدك.....إنا لله وإنا إليه راجعون. (*)مرشح سابق لرئاسة السودان