تزامن إعلان القبول بالجامعات مع انتقادات واسعة للسياسات التعليمية العامة وعلى مستوى مخرجاتها. ومع استدامة حالة الاحباط العامة التي استوطنت البيوت السودانية بعد فشل السياسات الحكومية في توفير فرص العمل واتباع السياسات الجاذبة للقطاع الخاص، نجد أن مساحات الفرحة التي كانت تنتاب الأسر عند توزيع الابناء على الجامعات عبر الاذاعة قد تراجعت كثيرا، بل أن تعليم الابناء بات يشكل عبئا ثقيلا لا يقل عن الخوف على الشباب الذين اكملوا الجامعة وصاروا في الشارع ينتظرون المجهول. «مع الناس» التقت بعدد من الشباب خريجين وآخرين في طريقهم لدخول الجامعات، في محاولة لقراءة رؤاهم وتفكيرهم في اليوم والغد بدءاً بالخريجين، اذ يقول محمد الشيخ وهو شاب في العقد الثالث من العمر، انه خريج محاسبة، الا انه يعمل ببيع الفاكهة لعدم وجود فرصة يعمل بها، رغم انه قد تقدم للعديد من الوظائف في مجال دراسته، الا انه في كل مرة يعود بخفي حنين ولا يجد من يوظفه، لذا اتجه لهذه المهنة، مطالبا الجهات ذات الصلة بالالتفات الى امر العديد من امثاله، وان يوضع حد للواسطة. وغير بعيد عن افادات محمد تحدثت لنا هالة حسن التي تعمل في احدى المكتبات، قائلة انها قد تخرجت منذ عام 2005م في كلية الاقتصاد والعلوم الادارية ودخلت اكثر من عشر معاينات ولكن كلها باءت بالفشل، لكنها لم تيأس حتى الآن آملة في توظيفها في مجال تخصصها. وتركت أمل تشرف على ترتيب الكتب وتوجهت الى محجوب خليفة الذي درس في احدى الجامعات العريقة قسم التجارة وادارة الاعمال، الذي اوضح انه يعمل بائعا متجولا للادوات المنزلية. وصب محجوب جام غضبه على السياسات المتبعة في الدولة تجاه الخريجين، مشيرا الى ان والده طاعن في السن، الامر الذي جعله يضطر الى امتهان هذه المهنة التي - على حد وصفه - لا تليق به بوصفه خريجا ومتعلما، وقال لولا الظروف ومسؤوليته تجاه اسرته لما عمل بها، خاصة أنه الأكبر بين اخوته، مناشدا الجهات ذات الاختصاص من لجنة الاختيار والمؤسسات الحكومية توفير فرص عمل للكثيرين من امثاله ممن لا يجدون التزكيات سوى تزكية الخالق المعبود، مطالبا الدولة بتوفير فرص عمل طالما استطاعت ان تفتح ما يقارب ال «106» جامعات. وفي ذات السياق تحدث أحد الخريجين العاطلين عن العمل، مفضلاً حجب اسمه، انه قد تخرج منذ عام 2007م لكنه حتى الآن لم يحظَ بفرصة عمل، الامر الذي جعله يعاني من حالة نفسية سيئة، لأن عمره قد راح هباءً منثورا على حد وصفه، وكان على امثاله الاعداد للزواج وتكوين اسرة. وقال انه تأسف جدا لاسرته التي كانت تعول عليه كثيرا في اعالتها، خاصة انها قد صرفت عليه الكثير خصما على صحة وقوت العائلة. واضاف انه كان من المفترض استثمار طاقات الشباب فى بناء الوطن في الوظائف المفيدة لهم ولخدمة الوطن، بدلاً من استغلالها فى التسكع ومشاكسة الفتيات واحتساء الكحول. وفي اوساط القادمين الجدد يقول محمد معتصم الحاج الذي تم ترشيحه لاحدى كليات الطب، انه لم يتلمس اية فرحة سواء في دواخله او وسط ذويه، والسبب هو ان مستقبله تشوبه حالة من الضبابية بسبب فشل سياسات الحكومة وعجزها عن ايجاد الوظائف للخريجين، مضيفا انه ظل يتابع قضايا الاطباء عبر الوسائط الاعلامية. غير ان محمداً عاد للقول إنه سيكرس جهده في التحصيل ويترك الامور لاوانها، فربما غيرت الحكومة سياساتها وعاد اليها بعض الرفق بالمجتمع، فعندها ستجد شريحة الخريجين بعض الامل. اما ابو بكر الحاج المرشح لدراسة الادب الانجليزي فقال انه لن يترك لسياسات الحكومة العرجاء الفرصة في مصادرة ولعه باللغة الانجليزية، ماضيا للقول انه لن يأبه كثيرا لحالة الاحباط العامة، وسيواصل دراسته، خاصة ان التوزيع جاء ملبيا لرغبته في اللغة الانجليزية. وتبدو حالة هيفاء أحسن حالا، اذ تقول ان قبولها في كلية الصيدلة اعطاها الثقة بأن المستقبل سيكون افضل بكثير، خاصة انها اختارت دراسة الصيدلة رغم انها مؤهلة للطب. وقد جاء الاختيار برغبتها وموافقة الاسرة التي وقفت على حالة البهدلة التي صار اليها الاطباء.