تجلس قوى نداء السودان التي يممت شطر عاصمة الجمال «باريس» ، نحو ستة ايام من الثامن عشر الى الثالث والعشرين من يوليو الجاري ، لتحديد موقفها من خارطة الطريق التي وضعت بنودها الوساطة الافريقية ووقعت عليها الحكومة مارس الماضي ، ومن ثم اعلانه على الملأ بعد طول انتظار ،وعلى ضوء ذلك تتشكل ملامح المرحلة المقبلة سواء ان كان الاستمرار في مضمار المعارضة للحكومة او الانتقال الى اتفاق سلس ينهي حقبة خصام تخطى حواجز الرأي والرأي الاخر الى نزاع لغته الرصاص والدماء. قوى المعارضة التي وقعت على ميثاق نداء السودان ديسمبر 2014 و تضم الجبهة الثورية وحزب الأمة القومي وقوى الإجماع الوطني ومبادرة المجتمع المدني ،تجتمع في باريس وسط متغيرات عدة اعترت المشهد السياسي والعسكري ما يلقي بظلال جديدة على مستقبل علاقتها بالحكومة . حركات دارفور عسكرياً … عسكرياً ،وعطفا على دخول عدد من حركات دارفور في العملية السلمية وفقدان حركات اخرى لقدراتها بعد العمليات العسكرية التي قادتها القوات المسلحة والدعم السريع والقوات النظامية الاخرى في كافة مسارع العمليات ،ابتداء بعمليات «الصيف الحاسم» و«النفس المطمئنة» وغيرها من العمليات الحكومية . في دارفور مثلت معارك «قوز دنقو» و«النخارة» بولاية جنوب دارفور ، ابريل 2015م النهاية لاخر قوات لحركة العدل والمساواة جبريل ابراهيم الذي اقر في حوار بثته اذاعة راديو دبنقا الموالية للحركات المسلحة ،بخسارتهم للمعركة ومقتل فريق من قوات الحركة ووقوع بعض من قواته في الأسر . وبعدها استمر ما تبقى من قوات حركة العدل والمساواة في التراجع الى دولة جنوب السودان ،ولكنها ايضا لم تكن بمنجاة من رصاص المتمردين على رئيس جنوب السودان بقيادة رياك مشار وهزيمتها في معسكرها بمنطقة «ديم زبير» بجنوب السودان يونيو 2016 م اضطرت بعدها للتحول لمجموعات لقطع الطرق والسلب والنهب، فيما اشارت مصادر الى ان معركة «ديم زبير» كانت نتيجة للحصار الذي مارسته القوات الحكومية على ما تبقى من قوات حركة العدل والمساوة الفارين من معركة قوز دنقو والنخارة. وبحسم الحكومة لمعارك «فنقة » يناير 2015 م و«سرونق» بجبل مرة بدارفور مطلع ابريل 2016م ، اصبح لا وجود عسكري لحركتي عبدالواحد محمد ومني اركو مناوي . حيث تمثل «فنقة» الاستراتيجية المدخل الرئيسي للوصول لقمة جبل مرة بوسط دارفور وتعد سيطرة الحكومة على المنطقة الاولى منذ بداية الحرب 2003 ،وتتمركز بالمنطقة قوات الحركتين معا. الناطق باسم حركة العدل والمساواة السودانية جناح بخيت دبجو ، أحمد ادم عبدالمجيد أحد الفارين من معسكرات العدل والمساوة بجنوب السودان قطع بان معارك «فنقة» و«سرونق» و«قوز دنقو» و «النخارة» قضت على حركات دارفور عسكريا ولم يعد لها وجود في الاقليم. وقال عبدالمجيد في حوار ل «الصحافة» ان ما تبقى من حركة مني اركو مناوي اصبح جزءا من قوات القائد حفتر في ليبيا ، فيما كشفت تقارير اخبارية ليبية عن عمليات تجميع واسعة للمجموعات الفارة من حركات دارفور المتمردة تحت إشراف اللواء المتقاعد خليفة حفتر في عدد من المعسكرات داخل ليبيا، ورجحت التقارير أن تدفع قوات حفتر بمتمردي دارفور للقتال في الداخل الليبي مقابل دعمها للدخول إلى السودان من جديد. الجيش الشعبي والتحصن «بكاودا» وفي ولاية جنوب كردفان والنيل الازرق معقل تمركز الفرقتين التاسعة والعاشرة التابعة للجيش الشعبي لدولة جنوب السودان ، ربما لم يتبق للحركة الشعبية الا منطقة «كاودا» وبعض الجيوب الصغيرة في الجبال المحيطة بها . نهاية مارس الماضي ، أعلنت القوات المسلحة تحرير منطقة «أم سردبة» المعقل الرئيس للمتمردين في قطاع كادقلي حاضرة الولاية ، وتحرير المنطقة المشتركة المتاخمة لها ، وذلك بعد أقل من يوم واحد من إعلانها تحرير خمسة مواقع استراتيجية بجنوب كردفان، شملت مارديس، واللبو، وكتن، وعقب، وكركراية البيرا ،بجانب منطقة القنيزيعة. الناطق باسم القوات المسلحة العميد أحمد خليفة الشامي قال ان الانتصارات،مثلت ضربة قوية للمعاقل الاستراتيجية للمتمردين، وأكد قدرة قوات الجيش على التصدي الحاسم لهم، وإنهاء وجودهم في المنطقة،مشيرا الى ان قوات الجيش تواصل تقدمها نحو أهدافها المنشودة، لبسط كافة سيطرتها على المنطقة. وفي محور ولاية النيل الأزرق ، بسطت القوات المسلحة هيمنتها على الولاية ،واعلنت يونيو الماضي انها تمكنت من دحر قوات الجيش الشعبي من جبال «كلقوا » الاستراتيجية نحو 30 كيلومترا جنوبي مدينة الدمازين عاصمة الولاية ، في سياق عمليات الصيف الحاسم والنفس المطمئنة. ويعد جبل «كلقوا » نقطة إرتكاز مهمة لقوات الحركة الشعبية شمال، ويكفل لها زمام المبادرة ، وتتمثل ايضا اهميته الاستراتيجية في أنه المدخل الشمالي لسلسلة جبال الإنقسنا. ان انتصارات القوات المسلحة على طول وعرض مسارح العمليات ،زادت من حدة الخلافات داخل الحركة الشعبية قطاع الشمال وساهمت في العودة الطوعية للمواطنين ،وهروب عدد منهم من مناطق سيطرة التمرد. وسلمت قيادات عسكرية بارزة في التمرد لمعداتهم واسلحتهم للقوات المسلحة كان اخرها تسليم القائد محمد يونس ومجموعة من جنوده لسلاحهم للقوات المسلحة بالنيل الازرق وقبله اللواء عبدالباقي قرفة واخرون . وكشفت مصادر «الصحافة» ان الايام القليلة القادمة ستشهد انضمام اخرين لركب السلام . الكاتب الصحفي والمحلل السياسي فيصل بابكر ، أكد ان القوى المعارضة ليس لديها ما تراهن عليه سوى وضع الحكومة والأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد والعزلة الدولية ،وقال : لايوجد دليل وداخليا المعارضة في اضعف حالاتها وعسكريا حركات دارفو ر حُسمت والحركة الشعبية هي الاقوى نوعا ما . الخلافات تتزعم الموقف سياسياً اما سياسياً ، فيعتبر اعلان الحزب الشيوعي السوداني مغادرته رسميا سفينة «نداء السودان » ،ابرز ملامح الخلافات التي ضربت جسم التحالف المعارض الذي انقسم حول المشاركة لبحث الموقف من خارطة الطريق، وبينما أكد الحزب الشيوعي عدم المشاركة،أعلن رئيس حزب المؤتمر السوداني رئيسا المؤتمر السوداني وقوى الإجماع الوطني حضور الاجتماع. الاجتماع الثاني من نوعه الذي يثير خلافا بين قوى الإجماع الوطني حول المشاركة فيه، خاصة وأن جزءا من قوى التحالف يعارض فكرة التفاوض مع الحكومة مبدأً متمسكا باسقاط النظام القائم بوصفه مطلبا جوهريا بنيت عليه خطوة تشكيل تحالف نداء السودان في العام 2014 م. وبدأت سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي واضحة في رفضها المشاركة في اللقاء المزمع ، وأكدت في بيان لها امس الاول «الاحد»، تمسك الحزب بموقفه الرافض لأي اتجاه يضمن أو يساهم للنظام في الحفاظ على مكتسباته بإعادة إنتاجه، ودعا الاطراف كافة لرص الصفوف في سبيل إسقاط وتصفية وتفكيك النظام، ودعا قوى الإجماع الوطني لتفعيل طريق الانتفاضة والتمسك بالمواثيق الموصلة إليها والتي تراضى عليها الآخرون. وفي المقابل ،غادر رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر يوسف الدقير الخرطوم امس الاول «الأحد» متوجها الى باريس، للانضمام الى اجتماعات قوى «نداء السودان»، التي ستبحث خارطة الطريق وهيكل التنظيم بجانب تكوين اللجان القيادية، فيما ينتظر مشاركة فاروق أبو عيسى رئيس قوى الإجماع الوطني في اجتماع باريس، ومالك عقار رئيس الحركة الشعبية، والصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي، وجبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، ومني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان. وقال بيان صادر عن المؤتمر السوداني تلقت «الصحافة» نسخة منه، «إن قوى الإجماع لم تصل لقرار بالمشاركة بوفد موحد أو المقاطعة، وأن الحزب يرى ضرورة مشاركته لنداء السودان في اجتماع باريس لدفع عجلة تطوير العمل المعارض إلى الأمام، والتأكيد بأن الطريق لإسقاط النظام يمر عبر بوابة تطوير وحدة المعارضة بأطيافها المتعددة». الكاتب الصحفي والمحلل السياسي بابكر فيصل ترك الباب مواربا امام توقيع القوى المعارضة على خارطة الطريق الافريقية ، ومضى الى ان موقف قوى نداء السودان متفرق يصعب معه التكهن بنتائج لقاء «باريس »،لكنه اشار الى انه وبالنظر الى الموقف ككل فان توقيعا ما سيحدث على خارطة الطريق ، وعول على الضغوطات التي قال ان المجتمع الدولي ممثلا في الولاياتالامريكيةالمتحدة والاتحاد الاوروبي يمارسها ضد قوى نداء السودان ،بيد انه عاد ونبه الى ان حزب الامة القومي الاقرب للتوقيع على الخارطة. وذهب فيصل الى ان الوسيط الافريقي ثامبو أمبيكي ، اعتبر لقاء باريس اخر فرصة بالنسبة للمعارضة لتحديد موقفها من خارطة الطريق بشكل واضح سواء بالرفض او التوقيع عليها ،وانه بعد ذلك سيرفع تقريره الى مجلس الأمن . ولخص فيصل في حديثه ل «الصحافة » موقف الحركة الشعبية قطاع الشمال من حزب الأمة القومي ، في انها تجد صعوبة في التعامل مع رئيسه «المهدي» من ناحية انها بحاجة اليه في حلفها لما اضافه من بعد وزخم لقوى نداء السودان ومن ناحية اخرى تتخوف من توقيعه على خارطة الطريق. وأكد ان قطاع الشمال متخوف من الاتفاق الثنائي ويبحث عن حل شامل ،لكنه لا يستطيع مواجهة المجتمع الدولي برفض التوقيع على خارطة الطريق بوصفه الداعم والمساند له ،مشيرا الى ان المجتمع الدولي بدا يمارس ضغوطا من اجل التوقيع على الخارطة ،وقال : لذلك الحركة الشعبية ستعمل على المماطلة لكسب الوقت الى حين انقضاء فترة الرئيس الامريكي الحالي باراك اوباما ،وذهب الى ان حركة العدل والمساواة مازال موقفها غامضا ، وان مني اركو مناوي بعيد عن التوقيع . الرهان على المجتمع الدولي المجتمع الدولي ظل وطيلة مجريات التفاوض بين الحكومة الحركة الشعبية قطاع الشمال ومن ثم قوى نداء السودان ،محور التفاوض كل يحاول كسب تأييده لما يمكن ان يلقيه في بركة التفاوض . في الاونة الاخيرة خفت حدة الاتهامات التي ظلت تكيلها الحكومة للمجتمع الدولي بانحيازه لصالح الحركات المسلحة والقوى السياسية المعارضة لها ، ونسجت حالة من المرونة خيوطها بين الطرفين على نحو اعترفت معه الادارة الامريكية ودول الاتحاد الاروبي بالحوار الوطني الذي ابتدرته الحكومة يناير 2015 ، ووعد بالضغط على قوى نداء السودان بالتوقيع على خارطة الطريق ، ولكن الى الان لم تأت تلك التعهدات أكلها بالنظر الى الموقف المتعنت لبعض قوى نداء السودان خاصة المسلح منها مقابل مرونة واضحة لرئيس حزب الأمة القومي. المبعوث الأميركي للسودان دونالد بوث عقب لقائه مسؤولين سودانيين بالخرطوم الشهر الماضي، قال إن المعارضة ستوقع على خارطة الطريق. وكان بوث ، قد دعا قوى -نداء السودان-، إلى الموافقة على خارطة طريق للسلام طرحها رئيس الوساطة الأفريقية للسلام في السودان ثامبو أمبيكي قبل شهرين. وكشف بوث في لقاء بثته قناة الجزيرة ، أن الرئيس الأميركي باراك أوباما -مهتم بتحقيق إنجازات في ملف السلام حول العالم قبل نهاية ولايته- العام الجاري. وقال فيصل ان «واشنطن» تسعى لتقديم الاتفاق على انه انجاز يضاف الى رصيد الرئيس «اوباما» المتهم بالفشل في سياسته الخارجية ،واضاف: يريدون ان يضاف الى اتفاق ايران وكوبا قبل الانتخابات الامريكية الرئاسية المقبلة . مأزق سياسي يبدو ان قوى نداء السودان تواجه مأزقا سياسيا حيث تتساقط مجموعاته وتنسحب ، مما يعبر عن حالة ارتباك وتباين في المواقف السياسية .