في مطالع الستينيات كنا أطفالاً وكان محور إهتمامنا هو كرة القدم. كان لاعبو كرة القدم هم أبطالنا القوميون، تماماً كما هو حال أطفالنا اليوم الفرق الوحيد أن أبطالهم وبفعل العولمة والفضائيات وتواضع مستوانا المحلي باتوا من لاعبي برشلونة والريال ومان يونايتد وشلسي! صحيح أننا في ذاك الوقت كنا نسمع بأسماء بعض الفرق الأوربية مثل توتنهام والهونفيد والرد ستار... بل إن بعض تلك الفرق زارت السودان لكن سننا لم تكن تسمح بإرتياد دور الرياضة ومشاهدة تلك الفرق. ومما زاد من وهج أبطالنا الرياضيين في أنفسنا أن بعضاً منهم كان يعمل بمهنة التدريس وبالتالي درسنا على أيديهم وكنا حين نراهم يمشون كأساطير حية في حيشان مدارسنا ويدخلون فصولنا لإلقاء الدرس نكاد لا نصدق أعيننا. من هؤلاء النجوم الأفذاذ الذين درسنا على أيديهم برعي أحمد البشير وأمين زكي وغيرهم. برعي حين كان يعمل بمدرستنا كان في أواخر مجده الكروي بينما أمين زكي كان أسطورة زمانه في ذلك الوقت بقامته الفارعة وأناقته الواضحة وقمصانه التي يطرز عليها حرفي A.Z. ... وجود هذه النخبة المتميزة من اللاعبين في صفوف التدريس جعل مدرستنا مدرسة أمدرمان الأميرية قبلة لكل مشاهير كرة القدم في ذلك الوقت إذ كانوا يشاركوننا مهرجاناتنا الرياضية وعلى رأس هؤلاء الملك المتوج يومها جكسا! في تلك الأيام كان التلفزيون في بداية عهده في السودان وكان ينقل على الهواء مباشرة مباراة مصيرية بين السودان ومصر. كانت مباراة إياب بعد أن إنهزم السودان في مباراة الذهاب 4/1 بالقاهرة، وحين نزل الفريق الأهلي السوداني (هكذا كان يسمى يومها) تعلقت أبصارنا نحن الصغار بشاشة التلفزيون ونحن نرمق أبطال طفولتنا وهم يخطون إلى داخل الملعب ومن بينهم أستاذنا هاشم في حراسة المرمى إلى جانب أمين زكي وسمير ونجم الدين وإبراهيم كبير وإبراهيم يحى الكوارتي وجقدول وماجد وجكسا وغيرهم. على الرغم من أن المبارة إنتهت بالتعادل 3/3 إلا أن جكسا كان درة تلك المباراة فقد أحرز هدفين من الثلاثة أهداف وتلاعب بدفاع الفريق المصري بشكل جعل الصحف المصرية التي وصلتنا فيما بعد تضع لقطته الشهيرة وهو طائر في الهواء بينما مدافعي مصر الأسناوي والشربيني طريحي الأرض وهما ينظران إليه في إعجاب وذهول ودهشة! هذه اللقطة الفوتوغرافية لجكسا وهو طائر تعد في نظري من أجمل الصور الفتوغرافية في العالم في مجال كرة القدم، وأذكر أنني إلتقيت الأخ نصر الدين عباس جكسا ذات مرة وقد كسا الشيب الأبيض رأسه وسألته بالتحديد عن هذه اللقطة فأجابني أنه يأسف لأنه لا يعرف المصور المبدع الذي إلتقط هذه الصورة التاريخية المبدعة. ما أجمل تلك الأيام.. وما أروع أبطال طفولتنا!