حرصت على زيارة المعرض الممتد (الى أبد الآبدين) كما يقول منظمه الأول الفنان والاستاذ الجامعي صلاح ابراهيم، وهو يقع على تخوم الأبد لأنه تحول من معرض لثلاثة ايام ? الى أن يكون خارج التحديد الزمني بسبب التحامه بالشارع العام، فالمعرض القابع في لوحات ريانة على جدران ملاعب الكمبوني بوسط الخرطوم انطلق من اجل وطن واحد متعدد الثقافات بعد ان تنادت له مجموعة من الاكاديميين والفنانين والكتاب والمهتمين من مختلف قطاعات شعب السودان لتشكل النواة الاساسية لمجموعة Sudan Unite كاستجابة موضوعية لقضايا الراهن الاجتماعي والثقافي كما يقول صبري بابكر أحد المنظمين للمعرض، وهي مجموعة تؤمن بالتنوع كمرتكز وبالابداع كاداة لابراز وعكس وتوظيف هذا التنوع ايجابيا، وتسعى المجموعة للحفاظ على المكون الجمعي للثقافة السودانية من خلال ابراز تنوع مصادره وروافده الثقافية. وكانت شرارة البداية التداعي على الرسم والتلوين واحياء الطرقات بالموسيقى من أجل سودان متحد، ويحدثني الفنان محمد يوسف الذي يعمل في غسل السيارات أنه اقتطع من زمنه الخاص ليشارك بلوحات في المعرض( من أجل وحدة الشعب السوداني)، ويقول (وما بين تنظيف سيارة واخرى آخذ وقتا للرسم)، ويوسف الممثل لشريحة الشماسة المشاركة في التلوين رسم جبلا وشمسا مشرقة وكوخا تجلس امامه امرأة امامها كلب وقدرة فول وفي اللوحة الثانية رسم بوابة سواكن وبعض الوجوه، ويقول انه قصد بالجبل تماسك النسيج الاجتماعي وبالقطية الاستقرار والأمان وبالوجوه قبائل السودان المتعارفة والمتآلفة. وفي زيارتي للمعرض عصر الأول من أمس التقيت بمغني الهيب هوب، مديت شم رابي، الذي قال انه اشترك في المعرض عبر تقديم اغاني لجمهور العابرين ويعرف نفسه بانه أحد ابناء جنوب الوطن المؤمنين بفكرة المعرض (بل هي متطابقة مع فكرتي حيث انني اغني للوحدة منذ عام 2004م ) مشيدا بالتنفيذ لان الفن حين يكون في الشارع يكون ذا تاثير أكبر، ويخبرني أنه غنى ( ما ذنب ابنائنا حتى نقسو عليهم بالانفصال ونحن نعيش معا منذ آلاف السنين)، ويشير مديت الى مساهماته العديدة في هذا الصدد ومنها العرض الذي قدمه بدار الاوبرا المصرية مؤكدا أن كل من استمع اليه في تلك الليلة سيصوت لصالح الوحدة. ويحدثني الفنان صلاح ابراهيم عن الوحدة في التنوع ويقول ان مجموعة Sudan Unite تسعى لابراز التنوع كسمة ايجابية تساهم في اثراء المكون الثقافي السوداني، وويؤكد ان هذا التنوع ليس بالسمة الخافية في بلد تتعدد اعراقه وتختلف وتتمايز ألسنته وتضاريسه. مشددا على ان النظر الى هذا التنوع باعتباره رصيدا وموروثا ايجابي هو ما ظل كثير التغيب وعانى من التجاهل والاهمال، ( Sudan Unite تنظر الى ذلك التنوع باعتباره حجر الاساس الذي تقوم عليه الوحدة وكما ترى في ذلك التنوع والتعدد الموروث تاريخيا مصدرا للخصوصية والتفرد التي تميز شعب السودان، وهما مصدر اثراء ثقافي واجتماعي عظيم). صبري بابكر أحد المنظمين للفعالية يقول أن الندوات والمحاضرات في الصالات المغلقة لم تقد المواطن الى الانفعال او الالتزام بالصف الذي يجب أن ينخرط فيه (فأصحاب الصالات المغلقة بعيدون عن الشارع) ، مؤكدا أن النتائج التي حصلوا عليها في أيام المعرض المفتوح ادهشتهم (وجدنا مشاركة من المواطن وتواصل مباشر ولمسنا ان صيغة للتعايش متوفرة بين الناس لدرجة لا تصدق) ويقول ان المعرض يركز على الاحتفاء بالتنوع وتناوله باعتباره عنصرا ايجابيا يزيد من ترسيخ قيم السلم والتعايش الاجتماعي واحترام وقبول جميع المكونات الثقافية مما يخدم في التكامل الاقتصادي بين المكونات الاثنية المتعددة. ويلفت نظري الفنان صلاح ابراهيم الى خطأ شائع وذلك حين ينسب الناس الى جهات من السودان ويقول (يجب أن لا ننسب المواطن الى جهة كأن نقول جنوبي مثلا،لأن ذلك يعني ضمنيا معنى من معاني الانفصال ويكرس له مع أن الأصل هي الوحدة) ويضيف أن الصحيح هو ان يقال مواطن سوداني يقيم في الجنوب أو الشرق أو الغرب أو الشمال (حتى نجد انفسنا في مقابلة عكسية مع النظرة الاحادية التي تكرس لقيم العنصرية والعصبية القبلية التي ترى في التعدد قيمة سالبة وتسعى لالغائه والتخلص منه، مما يشكل تهديدا للسلم والتعايش الاجتماعي واهدارا لطاقة ذلك التنوع). ويقول بابكر ان المعرض يدعو الى نشاط خلاق وتفاعلي ف ( Sudan Unite تؤمن بمبدأ العمل التفاعلي لذا فهي تسعى دائما ان تقيم فعالياتها في اماكن مفتوحة وفي الشوارع لكي تضمن امكانية التفاعل المباشر مع الجميع وذلك لكسر حاجز الاحتكار في المشاركة والتعبير، لذا فإن Sudan Unite تحافظ على نفسها مفتوحة للجميع بغرض المبادرة والمشاركة والتفاعل) ويقول ابراهيم ان (Sudan Unite تؤمن بالابداع بمختلف اشكاله وادواته وحقوله المتعددة كأداة للتغيير الاجتماعي والمفاهيمي كما تثق في قدرته على المقاومة والحركة والبناء والخلق والتجديد والابتكار. لذا تتخذ الابداع الفكري والثقافي والفني اداة اولى ومبدئية للعمل. كما تهتم بذات الدرجة بالدور الاكاديمي والبحث العلمي في مفاكرة التنوع وتعزيز التعدد والوحدة).