اللجنة الثلاثية تتكون من المبعوث الامريكي وممثل لكل من الشريكين... ولحكومة السودان بقيادة المؤتمر الوطني سفارات خارجية وللحركة الشعبية مكاتب خارجية.. وللدول الاجنبية سفارات في الخرطوم وقنصليات في جوبا.. رغم ذلك لا تتوقف بيانات الخارجية الامريكية ووزيرها وناطقها الرسمي ومبعوثها الخاص تعليقاً أو نصحاً أو ابداءً للرأي في كل صغيرة وكبيرة في الساحة السياسية السودانية. اخبار الاسبوع الاخير من ديسمبر 2009 (نموذجاً) تضمنت البيانات:- ٭ قلق الولاياتالمتحدة بشأن قانون الاستفتاء ورأت اعادة القانون مرة أخرى للمجلس الوطني لانفاذ اتفاق الشريكين واللجنة الثلاثية. ٭ ان قانون الامن الوطني لا يتضمن اجراءات لمحاسبة الاجهزة الامنية ويجب تجميده. ٭ أهمية السماح بالمظاهرات السلمية وللاصوات المعارضة بالتعبير عن ارادتها ، ثم كان خطاب غرايشن في واشنطن 31 ديسمبر 2009 بعنوان «عام جديد للسودان» ومن جهة اخرى تأسى قيادات سياسية على حال السودان الذي اصبح تحت وصاية الاجنبي ثم لا تلبث ذات القيادات من عقد الاجتماعات مع هذا المبعوث الخاص او ذاك، او سفير هذه الدولة او تلك حول قضايا الشأن الداخلي السوداني....!! ولأن الذين فرضوا الوصاية يملكون - بالواقع الراهن - مصادر معلومات متعددة فانهم مع امكانياتهم الضخمة أصبحوا عملياً في موقع (المركز الفكري) للساحة السياسية السودانية. وهم الذين يحددون (خريطة الطريق) هنا وهناك... و«المركز الفكري» تشغله الآن قضيتان: ٭ سودان ما بعد 2011 و٭ الاوضاع الأمنية في جنوب الوطن. فمراكز الدراسات الامنية وخلافها، تعكف منذ فترة في واشنطن وغيرها على دراسة التحضير للتدابير المناسبة لما بعد الاستفتاء (عقدت في جنوب افريقيا ورشة عمل مغلقة لدراسة تجارب الدول الاخرى في مسائل الاستفتاء والوحدة والانفصال شارك فيها المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والاحزاب حكومة الوحدة الوطنية وخبراء). وفي يوليو 2009 اصدرت (المنظمة العالمية للاجئين) تقريراً بعنوان (ربما سينهار الجنوب تلقائياً) جاء فيه:- ٭ ان اللاجئين العائدين الى الجنوب يواجهون صعوبات الحصول على الماء والطعام والسكن والتعليم والرعاية الصحية. ٭ ان المشكلات والنزاعات بين القبائل تتفاقم. ٭ ان حكومة الجنوب عاجزة عن حماية المواطنين الجنوبيين. وطالبت المنظمة الرئيس الامريكي بالتحرك لانقاذ جنوب السودان...(!!) والساحة السياسية لا تقترب من هذا الخطر بسبب (توازنات العلاقات الحزبية)! ولم يحركها ايضاً خطاب القائد سفاكير مطلع العام الجديد وقوله:- «عام 2009 شهد الكثير من الاحداث والاضطرابات في جنوب السودان في مختلف الأصعدة، ومن بين ذلك نشوب النزاعات القبلية وهجمات قوات جيش الرب، والفساد الاداري والمواجهات مع حزب المؤتمر الوطني». والحقيقة ان الادارة الامريكية (وكذلك اوباما) تقع تحت التأثيرات المباشرة لصراعات الاجنحة (المصالح) في الولاياتالمتحدة وكذلك المنافسة مع الدول الرأسمالية الكبيرة الاخرى التي لها ايضاً مصالح اقليمية وتسعى لاعادة اقتسام العالم. ففي اكتوبر 2009 اعلن اوباما ان «السودان على شفير السقوط في الفوضى»، وفي يناير الجاري اصدرت السفارة الامريكية في الخرطوم تحذيراً بأن متشددين اقليميين يخططون لشن هجوم على متن الخطوط الاوغندية: جوبا - عنتبي. اننا - هنا - لا نكتفي باتهام القاعدة لكننا نضع في البال ايضاً قضايا الحدود الدولية القديمة التي لم تحل بين السودان وكل من الكونغو ويوغندا وكينيا (مثلث اليمي) ونستعيد قول القائد جون قرنق ان الجنوب لن ينعم بالسلام مع وجود جيش الرب في الاراضي السودانية، ونتصور كيف سيختلط كل ذلك مع نتيجة الاستفتاء والدولة الوليدة التي لن تعيش دون مساعدة الولاياتالمتحدة وجيرانها ، او كما اوضح غرايشن لذلك فان امريكا تكون مرة ضد انفصال الجنوب ومع وحدة السودان واستقرار حكمه وفي مرة اخرى هي داعمة للاستقلال. وكل موقف تغذيه فئات مصالح دولية واقليمية والساحة السياسية السودانية بدلاً من اتحادها ووضوح رؤيتها والنضال من اجلها تنقسم على نفسها ولا تستقر على قرار.. وأيضاً تحت تأثير صراع المصالح على الموارد داخل الولاياتالمتحدةالامريكية ومنافسة الدول الرأسمالية الاخرى يكون للولايات المتحدة موقفان متوازنان من قضية دارفور. توجد قوى داخل امريكا ظلت منذ 2003 تدعو للحل العسكري وتدخل قوات الناتو وحظر الطيران في دارفور.. إلى آخر وتبعهم قادة وطنيون.. والذين اختاروا الحل العسكري لم يهدأ نشاطهم ابداً لارتباطه بمصالحهم، ومن بعد مايو 2006 كان التركيز على مطالب تقارير المراكز البحثية تحت خدمة مجموعة المصالح المذكورة على ارسال قوات امريكية من متطوعين عسكريين يتبعون الجيش الامريكي لحفظ السلام في دارفور. وكل القوى الدولية المتنافسة على الموارد الافريقية والدارفورية لها ادواتها المدنية (المستقلة) أو (الاهلية) ومنها (منظمة انقاذ دارفور) التي تأسست في 2004 خلال مؤتمر دارفوري بجامعة نيويورك شارك في اعداده منظمة اليهود الامريكيين للخدمة العالمية. وانشأت المنظمة (اتحاد الجمعيات من اجل انقاذ دارفور) التي نظمت 41 مسيرة في 41 دولة واهداف المنظمة كما اوضحتها هي: الاعلام المكثف حول قضايا حقوق الانسان في السودان والابادة الجماعية، والضغط على الحكومة الامريكية والكونغرس واهداف الضغط هي: - التأثير على الصين لايقاف دعمها لحكومة السودان. - استمرار فرض العقوبات الامريكية على السودان. - قوة عسكرية امريكية لحفظ السلام في دارفور ومنع الطيران فيه. - محاكمة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الانسان في دارفور. لكن هذا الاتجاه يعارضه بقوة تجمع منظمات الاغاثة الدولية والتي ترى ان الحل العسكري يمثل خطراً مباشراً على منظمات الاغاثة التي تدعو للحل «الدبلوماسي» أو كما تطلق عليه بمعنى قسمة الموارد بين المتنافسين وتعويض الآخرين في ساحة أخرى.. وتعارض منظمات الاغاثة حظر الطيران في دارفور لاعتماد منظمات الاغاثة العاملة في السودان عليه (اعادت حكومة السودان النشاط لاثنتي عشرة منظمة اغاثة دولية، امريكية وبريطانية وغيرها..) ولذلك فاننا نجد الادارة الامريكية مرة مع الحل العسكري لانهاء الحرب ضد الارهاب والابادة الجماعية، ومرة أخرى مع الحل السياسي أو الدبلوماسي(!).. وكذلك تتباين مواقف القيادات الوطنية في الساحة السياسية السودانية (راجع الاستراتيجية الامريكية الاخيرة نحو السودان وكيف عبرت عن جميع المصالح المتنافسة بما تتطلبه - حتى الآن - سياستها الداخلية). ان حالة الارتباك التي تضرب الساحة السياسية، والصراعات الفوقية للقيادات الحزبية المختلفة وتمسك حزب الحركة الاسلامية الحاكم بنهج الاستبداد والتعالي هو الذي وضع السودان تحت وصاية الاجنبي بعد ان ساعدت كل القوى السياسية في تسميم الجو السياسي ومن ذلك: ٭ المتهمون بالاشراف على المعتقلات السرية والتعذيب.. هم المفاوضون والذين وقعوا أو ساهموا في الاتفاق مع الفصائل المختلفة خارج الحكم ولكل رؤيته. هنا (تفكيك الانقاذ) وهناك (الربط بالسلطة والابعاد عن الجماهير).. ٭ والذين اشرفوا على الانقلاب على الحكومة الشرعية هم قيادات التحول الديمقراطي والحريات العامة والمطالبون بانفاذ العدالة. ٭ حزب الحركة الاسلامية (نصفه معارض) ونصفه يحتكر السلطة السياسية ولا يسمح بأي نشاط مستقل لحلفائه ومشاركيه في السلطة، يقود الساحة السياسية وحده. وقيادات حزبية تحتكر المعارضة ولا تسمح بأي نشاط مستقل معارض خارج عباءتها.. وتواصل هذا النهج منذ قيام التجمع الوطني الديمقراطي السوداني الذي رفض قبول اجسام جديدة داخله، وعندما اقام هؤلاء اجساماً يرفضها المؤتمر الوطني ويرفضها ايضاً التجمع الوطني. يدعى التجمع الوطني بأن الجسم الجديد هو تنظيم موازٍ من صناعة المؤتمر الوطني، لكن المؤتمر الوطني يعلن بانه لا يعترف بأي تنظيم معارض إلا التجمع الوطني. القضايا الكبرى تكون لها تداعياتها على كل تفاصيل الساحة السياسية، ولأننا يستحيل ان نفصل بين السياسات الداخلية للدول الرأسمالية (الاستعمارية) والخارجية للدول المستهدف نهب ثرواتها من جهة، والساحة السياسية الداخلية من جهة أخرى ،بل حتى الصراع الداخلي داخل الاحزاب السياسية الوطنية فان معالجة اية قضية يلزم اخضاعها لكل تلك العوامل وإلا فان المواقف السياسية للحزب الواحد تظل متعارضة. وان الاستسلام الهين للاستعمار الجماعي الجديد والجزئي لن يوقف استراتيجيته.. نذكر عندما فرضت امريكا الاختيار (مع امريكا أو مع الارهاب) اسرعت حكومة السودان وحزبها تحت قيادة الترابي لتقديم ملفات مطلوبة وحتى غير مطلوبة وسلمت ارهابيين.. مثلما اسرعت قيادات احزاب سياسية وطنية لاضافة نص في نظمها الداخلية بمحاربة الارهاب.. وحكومة السودان التي تتعاون مع الولاياتالمتحدة لمحاربة الارهاب لم يمنع استمرار السودان تحت قائمة الدول التي ترعى الارهاب.. واقتدت الساحة السياسية السودانية بتلك الثنائية وظل اسلوبها: مع المحكمة الجنائية الدولية أو المؤتمر الوطني، مع دخول القوات الدولية.. مع تسليم مطلوبين.. مع الوحدة.. مع المسيرة.. مع احزاب مؤتمر جوبا. (وفي كل حاله أو المؤتمر الوطني) حتى تصل إلى مع الانتخابات أو المقاطعة.. إلى آخر هدف اصابه الجو السياسي بفقر الدم وهو قسمة الساحة السياسية (فوقيا) إلى معسكرين متقابلين، وكل يستقوى بالاجنبي، وكل لايعترف بالمكونات الاخرى للساحة السياسية ولا القوة الثالثة ولا الطريق الثالث، وكل يتحدث باسم الجماهير ويطلب مؤازرتها دون ان تكون قضايا الجماهير ضمن ما هو مختلف عليه بين المعسكرين. ان من أهم أسباب اصابة الجو السياسي بفقر الدم:- 1- استمرار القوانين المقيدة للحريات في دولة نصفها شمولي والآخر مغطى بقشرة رقيقة من الديمقراطية. 2- عدم وضوح اهداف القوى السياسية وضعف آلياتها. 3- الفصل بين النضال السياسي من أجل التحول الديمقراطي والنضال من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بما يعني عزل قطاعات واسعة من السكان. ونتائج ذلك: تعثر كل مشروعات الوفاق الوطني والوحدة الوطنية والسلام والاستقرار ان الجو السياسي بوضعه الراهن يفرد ذراعيه للاستعمار الجماعي الجديد. فهل ستكون الانتخابات العامة من أدوات تعديله؟ ونواصل ٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭ تمسك حزب الحركة الاسلامية الحاكم بنهج الاستبداد والتعالي هو الذي وضع السودان تحت وصاية الاجنبي