٭ ستون عاماً مضت ، منذ لقائنا مع البروفيسور الدكتور/ صديق أحمد اسماعيل ابو حتى سرى نعيه المفجع يخترق الاثير من لندن نعياً كنا نحسبه محالاً ولكن هذه إرادة الخالق التي لا راد لها- الحمد لله على كل حال فقد مات سيد الأنبياء والمرسلين وخاطبه المولى عز وجل (انك ميت وأنهم ميتون) صدق الله العظيم. حبانا المرحوم صديق شخصي وباقي اصدقائي بالولاء والوفاء والمحبة وأبلغ تعبير أصفه به في حياته انه كان غاية في النظام ما عرفنا قلباً أطيب من قلبه ولا إخلاصاً أصدق من إخلاصه ولا عطفاً ارق من عطفه- ولا وفاءً يفوق وفاءه تدمع عيناه اذا سمع خبراً لا يفرحه عن أى من اصدقائه. قد لا يعرف الكثيرون عن الجانب الانساني للفقيد ولكننا نحن اصدقاؤه نعلم الكثير عن سماحة خلقه وصدق مودته نحونا وبقدر اكبر تجاه أسرته حنواً على المرحومة زوجته وأبنائه باراً بأمه وأبيه وجميع أهله وهو رب أسرة من الطراز الفريد وقد حزن على زوجته حزناً شديداً رحمها الله رحمة واسعة وكان لهذا أثر في مجرى حياته من بعدها مما جعلنا نعمل على تخفيف حزنه العميق عليها. كان تلميذاً نجيباً من أول الدرج وطالباً نابغاً في تدرجه التعليمي بعد ذلك حتى وصل القمة في دراسة الطب متخصصاً في علم الباطنية وبالذات في امراض القلب، كان واضحاً وصريحاً في اداء اعماله، وكانت بيننا دعابة محببة رغم الجدية والوضوح اللذين كان يتحلى بهما. المرحوم صديق فقد أمه وليس فقداً لصديق أو حبيب أو قريب. كان واسع الاطلاع حتى في غير مجالات علم الطب، قارئاً نهماً متتبعاً للأخبار العامة وغير ذلك ويناقش بموضوعية في السياسة والاجتماع والتاريخ والادب وما من كتاب صدر عن السودان أو عن أى موضوع يعجبه إلا كان أول من قرأه وابتدر النقاش فيه معنا ونحن صاغين منتبهين الى شرحه وتحليله ونشهد له انه كان على قدر كبير من الثقافة. جاءني مستغرباً ذات مرة يحكي لي أنه وأثناء تدريسه للفصل النهائي لطلبة كلية الطب سألهم ان كان احد منهم يعرف ما هى جان دارك ولم يجد أحداً سمع بها أو عرف شيئاً عنها تصوروا أن صديق رغم اهتمامه بنقل المادة التي يدرسها في مجال الطب يود ان ينقل لطلبته معلومات ضرورية، ان صديق رغم اهتمامه بنقل المادة التي يدرسها في مجال الطب يود ان ينقل لطلبته معلومات ضرورية يشجعهم لمعرفتها وكان هذا هو حاله يدربهم طلبة كانوا أو صغار أطباء ويقودهم الى الاطلاع واضافة معلومات عامة لتوسيع قدراتهم. بعد نيله شهادة التخصص كان بمدينة برستول بانجلترا وانتقل الى لندن ليعمل في مستشفى عريق اسمه (st.georges) وكان موقع هذا المستشفى في بداية شارع بيكادلي من ناحية الغرب مطلاً على قصر بكنجهام شرقاً مقابلاً لهايدبارك من جهة الجنوب وقد نقل هذا المستشفى العتيق الى مبنى حديث في مكان آخر. وكان يعرف بمستشفى The corner لموقعه في Hyde park corner الأسم الذي أعجب المرحوم وكان فخوراً بالتديب فيه. في منتصف عام 6691 عندما الحق به المرحوم بقسم امراض القلب تحدثت اليه عن مريض يهمني أمره للكشف عليه واتفقنا على أن يعرض عليه بالمستشفى- هالني ما رأيت عند المقابلة خدمات أطباء بريطانيون في زيهم الرسمي الناصع البياض يتقدمهم صديقي صديق، قدمني اليهم وكانوا قمة في التخصص تحدثت اليهم وتحدثوا الى أثناء تناول كوب من الشاى بعدها اشترك جميعهم في النقاش بعد ان اجرى صديق الكشف الاول على المريض. كان المرحوم وقتها يسكن في شقة في Holland park بلندن غرب Kensington high st. في Notting hill gate كانت مرتع انسنا ومقر تجمعنا جاء زائراً له الصديق الزعيم الطيب أحمد حميدة وكان سفيراً بيوغسلافيا وكان سبب زيارته للندن ولاول مرة ليقف على باب No.10 سكن رئيس وزراء بريطانيا التقليدي 10 Downins st. وحسب قول الزعيم يود أن يتحدث الى اصدقائه بالسودان أثناء الونسة عن معالم لندن لأنهم يتكلمون عن لندن كثيراً وهو لا يعلم عنها شيئاً رغم أنه الآن من المداومين على زيارتها. كان الزعيم يتوقع ان يكون أب أحمد معه لبعض الوقت أثناء اليوم ولكن هذه من المستحيلات التي كان يتوقعها الزعيم من شخص منضبط لا يقبل أن يتأخر عن موعد دوامه ولا دقائق ولكنه كان قبل مغادرته للعمل يطلع الزعيم على مافي المطبخ من مأكولات. وبالطبع كلاهما يعرف طبع الآخر. نتقابل ومنذ سنوات في لندن وكان آخر لقائنا اوائل هذا العام ولكنه كان يقيم مع أبنته العزيزة عازة في شفيلد شمال انجلترا وكانت ونستنا بالتلفون. قبل ذلك كان لقاؤنا في مقهى فندق الماريوت في Edgware Re- George ST. صباحاً قبل حضور الاخوة حسن تاج السر والطيب صالح- محمد الحسن- بونا ملوال ومحمود صالح عثمان صالح وكنت أحضر نفسي تماماً عما قرأته في صحيفة التايمز اللندنية التي يقرؤها صديق بتمعن شديد من أول صفحة الى ال obrtuary وبما أني كنت قارئاً منتظماً ولا زلت لصحيفة التايمز ولكن المغفور له كان أكثر حرصاً مني علي قراءتها ويناقشني في جميع موضوعاتها حتى السوابق القضائية وكان عندما اتحدث اليه عن موضوع في الطب قرأته أو سمعته في ال BBC وأنا مثله اتابع ال BBC و Radio 4 كان يقول لي ( يا عميد ما تتدخل في شؤوننا) وكنت أنا من أكثر المناكفين والمجادلين له وارد عليه قائلاً :(يا أب أحمد انت تتكلم وتحاضر في ال Magna carta وال Habeas corpus- هل هذا طب) ويستمر الجدل ويقف عند حضور بقية الصحاب ليستأذن لاحقاً. هذه كلمات ابكي بها اخي ومحبتي ونصيبي صديق أحمد اسماعيل أبو من بعيد ومن قريب عن صداقة دامت ستين عاماً من الخمس والسبعين التي عاشها المرحوم. قال تعالى:(نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين) صدق الله العظيم أب أحمد (اللهم اغفر له وأرحمه وأسكنه فسيح جناتك مع الشهداء والصديقين وحسن اولئك رفيقاً وأجعل البركة في أحمد ابنه العزيز وكريماته العزيزات عازة وريم وريان وإلزمنا وآله الصبر والسلوان انه سميع مجيب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين).